اقتصادصحيفة البعث

خبير مصرفي ومالي يدعو لإنشاء “بورصات” مناطقية لتحويل الغنيمة إلى ضريبة والاقتصاد الاستهلاكي إلى إنتاجي!

 

 

تحويل الغنيمة إلى ضريبة، والاقتصاد الاستهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي؛ هذا ما نحتاجه لكونه يشكل المخرج الشافي لـمعظم “مصائبنا” الاقتصادية..!؟ حيث إن سمة الاقتصاد الإنتاجي تتمثل في أن المُنتِج يدفع الضريبة، نتيجة لاستعماله المواد الطبيعية واستخدام العمالة..، وبالتالي لا بد في النهاية من أن يدفع الضريبة للدولة؛ وهو عندما يدفع الضريبة وتصبح مالية الدولة معتمدة عليها، يصبح في إمكان هذا المُنتِج، وكذلك في إمكان كل من هو داخل في العملية الإنتاجية، أن يطالب بحقه في مراقبة صرف الضرائب؛ وهذا هو منطلق الديمقراطية في أوربا الحديثة.
أما عندنا في وطننا العربي عامة ونحن منه طبعاً، فيطغى على اقتصادنا العطاء والريع على الإنتاج (إما بشكل مباشر أو غير مباشر: الأجور والمرتبات والأعطيات ودعم المواد..)؛ ما يجعل الحق في طلب المراقبة (مراقبة المسؤولين) مهزوزاً من أساسه، غير أن هذا لا يعني استحالة نقد الواقع، وبالتالي نقد شرعية السلطة التي يمارسها المسؤول.
في ضوء ما تقدم، تشكل أسواق الأوراق المالية (البورصات) المناطقية الخاصة بالتداول المحلي مبدئياً (يمكن أن يكون توزعها كتوزع غرف السياحة)، إحدى الوسائل الاقتصادية المالية الأساسية لتحويل الغنيمة إلى ضريبة حقيقية والاقتصاد الاستهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي، وعليه فإن إنشاء وإقامة تلك البورصات في سورية تعد خطوة هامة وضرورية بحسب الخبير المصرفي والمالي علاء شاليش.
ثمن غيابها..!
وبرأي الخبير أن البورصات عامة والمناطقية تحديداً هي الحلقة المفقودة، إذ أن غيابها سبب ضياع وتشتت وتدهور كل شيء، كما هي الحلقة الأساس، لكن المسؤولين يجهلون تمام بنيتها وآلياتها وأهميتها الحقيقية والفاعلة اقتصادياً ومالياً وتنموياً، بينما رجال الأعمال والمستثمرون يخشون تطور هذا المشروع الاقتصادي وإطلاقه، بسبب غياب المنافسة وعدم وجود آلية لمنع الاحتكار، وابتزاز الحكومة بسبب العقوبات واستغلال الناس، وتخلف الآليات المتبعة من قبل الحكومة وأجهزتها وضعفها..!
لا بديل..؟
وعليه يؤكد أنه لا بديل عن البورصات المناطقية لضبط التداول المحلي مبدئياً، ليصار في مرحلة لاحقة – بعد تخطي عتبة معينة – إلى فتح المجال للتداول الخارجي، أي خارج المناطقية وضمن البورصة الرئيسة أو المركزية في دمشق، وهذا برأي شاليش هي الاستراتيجية الهامة جداً لتطوير الاقتصاد الوطني، مبيناً على سبيل المثال، أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد أكثر من 200 بورصة، تعمل على ضبط الأسعار والسوق الداخلية، وتحد من الاحتكار وتحقق منافسة شرسة قوية، تنعكس على الناس بالرفاهة والتنمية المستدامة…
لهذا أهميتها..
وفي توضيح لأهمية وجود مثل تلك البورصات.. يقول: إن إقامتها يعطي الاقتصاد هوية، ويشجع ويساعد على التوسع الأفقي والعمودي في إيجاد الشركات وبمختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية من: زراعية وصناعية وتجارية وخدمية وسلعية، وبالتالي تحصيل الضريبة من هذه الشركات (الضرائب المباشرة وغير المباشرة)، حيث الأنظمة القانونية والمالية والحوكمة، الشفافة والصحيحة التي تحكم عمل البورصات ومتطلبات واشتراطات الإدراج للشركات فيها، لافتاً في هذا الجانب إلى ضرورة تشريع شبه ملزم وبتسهيلات محفزة وجاذبة للشركات العائلية لتتحول إلى شركات مساهمة، وإنهاء ما يشوب هذا النوع من الشركات من شبهات تهرب ضريبي وخلاف ذلك من خلل لم يعد مقبولاً السكوت عنه، وخاصة لناحية مستحقات الدولة منها.
هذا هو الفرق..؟!
أما في حالنا، فيؤكد شاليش أن أكبر مصادر تمويل النفقات هي من المستهلك، أي من أصحاب ذوي الدخل المحدود ومن الفلاح والعامل والشريحة الدنيا من المجتمع.. وغيرهم، ولكوننا مجتمعاً استهلاكياً في معظم سلعنا، نستهلك المنتجات الأجنبية التي ينتجها الغير، لا بد من التغيير والتطوير، كي نستفيد ما أمكن من ضرائبنا لتكون منَّا؛ لنا، فمثلاً: الضريبة على السيارات يتحملها المواطن المشتري لها، وليس المُنتج لها؛ لأن المُنتج ليس في بلادنا بل ببلد أجنبي، لكن عندما يتم إنتاجها في سورية نحمل الضريبة على المنتج وليس على المستهلك. هذا هو الفرق بين الاقتصاد الاستهلاكي والاقتصاد الإنتاجي، الخطوة في أية نهضة اقتصادية، تتمثل في الهيكلة الصحيحة والشفافية والأدوات، وأهم أداة في الاقتصاد الرأسمالي، هي إيجاد البورصات لمنع الاحتكار وابتزاز الناس وتحقيق أكبر قدر من المنافسة الشريفة والرقابة الذاتية على المنتج، وهذا لن يتم إلاَّ عندما يكون الاقتصاد اقتصاداً إنتاجياً وليس استهلاكياً فقط.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com