دراساتصحيفة البعث

الذريعة الأمريكية “لتغيير الأنظمة”

إعداد: علاء العطار

فضيحة كبيرة تتكشّف اليوم وتحمل عواقب بعيدة المدى على المجتمع الدولي بأسره، وهي أن الطبقة السياسية/ الإعلامية الأمريكية كانت متكتمة حيال ما كشفه مخبران من أسرار تثير شكوكاً جديّة بخصوص مجموعة مراقبة الأسلحة الكيميائية، رغم أن هذه الطبقة نفسها كانت تؤكد على أهمية المخبرين والحاجة لحمايتهما منذ أن كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن بعض ممارسات الفساد في إدارة ترامب.
عندما نشرت مؤسستا “كوريج فاونديشين” و”ويكيليكس” نتائج أبحاث إحدى اللجان متعدّدة الاختصاصات، واللتان تلقتا عرضاً تقديمياً مفصلاً من أحد المخبرين في تحقيق تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن هجوم مزعوم بغاز الكلور على دوما في عام 2018، لم يتبيّن إذا كان ذلك المخبر هو نفسه الذي سرّب تقييماً هندسياً مخالفاً لما قدمته مجموعة العمل المعيّنة في سورية أم هو آخر مختلف، لكن الصحافي البريطاني جوناثان ستيل أكد أن هناك مخبرَيْن مختلفين من داخل التحقيق الذي أجرته المنظمة في دوما، والنتائج التي توصلا إليها تختلف اختلافاً كبيراً عن التقرير النهائي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تكتمت بدورها على هذه النتائج.
على الأقل يمكننا أن نستنتج، مما كشفه المخبران، أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تخفي معلومات عن الجمهور لا يحق لها إخفاؤها، خاصة وأن ذلك أدى إلى عدوان ثلاثي أمريكي-بريطاني-فرنسي على سورية، كما يحق لنا الخلوص إلى أن التشكيك بكافة أعمال المنظمة حول العالم هو أمرٌ مشروع تماماً.
لذلك من المنطقي تماماً التساؤل عن إمكانية تأثير الولايات المتحدة على المنظمة من خلف الكواليس بطريقة أو بأخرى، نظراً إلى أن تقريرها النهائي المريب يتناغم تماماً مع الروايات التي تروّج لها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، إضافة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تتلاعب بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للسير في خطتها التي تهدف إلى “تغيير أي نظام” يقف في وجه أطماعها وأهدافها.
في حزيران من عام 2002، وبينما كانت الولايات المتحدة تتحضّر لغزو العراق، نشرت مجلة “ماذر جونز” مقالاً بعنوان “انقلاب في لاهاي” يتحدث عن حملة أمريكية للإطاحة بأول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، خوسيه بستاني، وإن تتبعنا ما صدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الآونة الأخيرة فسنتذكر أن بستاني كان أحد المشاركين في العرض التقديمي لمؤسسة “كوريج فاونديشين” في بروكسل في 15 تشرين الأول 2018، وأنه كتب بعدها التالي:
“إن الأدلة المقنعة على السلوك الشاذ في التحقيق الذي تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما تؤكد الشكوك والوساوس التي راودتني، وليس بإمكاني أن أفهم ما كنت أقرؤه في الصحافة الدولية، وحتى التقارير الرسمية للتحقيقات تبدو غير مترابطة في أفضل الأحوال، توضحت الصورة الآن بالتأكيد، مع أنها صورة مقلقة للغاية”.
تحلّل “ماذر جونز” الطريقة التي تمكّنت بها الحكومة الأمريكية من التنمر بنجاح على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بخلع بستاني من منصبه في نيسان عام 2002، وذلك من خلال تهديدها بقطع تمويلها عن المنظمة، ولم تقم بذلك سوى لأن بستاني نجح في جذب حكومة صدام حسين إلى طاولة المفاوضات، ما أزعج الولايات المتحدة، بل نظرت إلى جهوده وكأنها تهديد لأجندة الحرب خاصتها، وحدث ذلك بالرغم من الدعم الدولي الذي كان يحظى به بستاني.
يشير بستاني في حديثه لـ”ماذر جونز” إلى أن استياء المسؤولين الأمريكيين جاء من محاولاته إقناع العراق بالتوقيع على معاهدة الأسلحة الكيميائية، التي ستسمح بعمليات تفتيش لمصانع الأسلحة العراقية، وبالطبع استخدم البيت الأبيض رفض العراق للسماح بعمليات التفتيش كذريعة لهجوم جديد على العراق.
ويتابع بستاني: “بالطبع، لو انضمّ العراق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فسيفتح الباب أمام المفتشين للعودة إلى بغداد، وبالتالي سيتمّ حل الأزمة بشكل سلمي، لكن هل هذا ما تريده الولايات المتحدة اليوم؟. إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الجديدة، بعد خلعي، تمر بتغييرات هيكلية جذرية، بشكل يتوافق مع الوصفة الأمريكية، ما سيوجّه ضربة قاصمة لمنصب المدير العام بحيث يجعله رمزاً للعار في النظام الدولي”.
ويتتبع بستاني التحول الذي حدث في المنظمة إلى نفوذ العديد من الصقور في وزارة الخارجية الأمريكية تحت رئاسة بوش، ولاسيما وكيل وزارة الخارجية لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي، جون بولتون، ونحن نعلم أن بولتون تمادى بالأمر كثيراً منذ ذاك الحين، إذ ذكر بستاني أن بولتون هدّده بإيذاء أطفاله إن لم يستقل من منصبه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن بولتون كان يعمل في إدارة ترامب كمستشار للأمن القومي طوال فترة التحقيق الذي أجرته المنظمة في دوما، إذ شغل هذا المنصب من 9 نيسان عام 2018 إلى 10 أيلول عام 2019، ولم تصل بعثة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة إلى سورية حتى 14 نيسان عام 2018، ولم تباشر تحقيقها في دوما إلا بعد أيام عدة من وصولها، وصدر تقريرها النهائي في آذار عام 2019.
بالنظر إلى كل ما ذُكر، من المنطقي تماماً التأكد أن الحكومة الأمريكية مارست ضغطاً على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحقيقها في دوما، والحقيقة أن هذه الحكومة فاسدة بما يكفي للتلاعب بالتحقيق في الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيميائية، وهذا من شأنه أن يُفسّر الحذوفات والتناقضات المشبوهة في التقرير!.