دراساتصحيفة البعث

روسيا و الصين .. علاقات اقتصادية أكثر دفئاً

 

إعداد: عناية ناصر
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين متأخرة مقارنة بالتطور السريع لاتصالاتهما الدبلوماسية وتعاونهما الاستراتيجي والعسكري والسياسي المتنامي، تم وصف هذا الوضع لعدة أسباب بأنه “سياسة ساخنة واقتصاديات باردة”. كان سبب هذا الوضع تركيز مجتمع الأعمال الروسي على تطوير العلاقات ذات الأولوية مع الشركاء الأوروبيين خاصة ما بعد مرحلة الاتحاد السوفييتي، والاهتمام المحدود والخبرة غير الكافية في العمل في السوق الصينية، وكذلك العوائق الجمركية وغير الجمركية أمام التبادل التجاري بعد انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2012 ، بينما كانت الصين عضواً منذ أكثر من 10 سنوات من خلال شبكة متشعبة من اتفاقيات منطقة التجارة الحرة مع العديد من الدول.
في السابق كانت الاستثمارات الصينية في روسيا ضئيلة، ليس لأن المستثمرين الصينيين ليس لديهم مصالح في روسيا، ولكن لأن الشركات الروسية تعمل على محاولة اجتذاب المستثمرين الغربيين الذين يمكنهم توفير التكنولوجيا الحديثة والخبرة الإدارية بالإضافة إلى الأموال اللازمة. وبعد استقرار الأوضاع السياسية في روسيا شهدت العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية ارتفاعاً في 2010-2011 و 2012-2014 ، عندما ازدادت التجارة الثنائية من 39.5 مليار دولار في عام 2009 إلى 83.6 مليار دولار في عام 2012 و تم رفع القيود غير الرسمية على مشاركة المستثمرين الصينيين في روسيا.
أعطت التغيرات الجيوسياسية ، مثل الأزمة في علاقات روسيا مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي، وكذلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، زخماً جديداً للعلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين وروسيا. وحالياً تعد الصين أكبر شريك تجاري لروسيا منذ عام 2010 ، فقد وصلت التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 108 مليارات دولار في عام 2018، وكان هناك تقدم واضح في الاستثمارات. ووفقاً للإحصاءات الصينية الرسمية ، ارتفع إجمالي استثمارات البلاد في روسيا من 4.89 مليار دولار في عام 2012، وإلى 8.69 مليار دولار في عام 2014، و إلى 13.87 مليار دولار في عام 2017.
هناك العديد من الميزات الرئيسية فيما يتعلق بالتعاون التجاري والاقتصادي الروسي الصيني الحالي والمحتمل. أولاً : يركز التعاون الثنائي على الطاقة ، كما يتضح من حصة صادرات الطاقة الروسية (الوقود المعدني ، والنفط والبتروكيماويات التي تمثل 71.6 في المائة من الشحنات الروسية إلى الصين في عام 2018) والاستثمارات الصينية السائدة في مشاريع الطاقة (في عام 2017 ، 47.5 في المئة من الاستثمارات الصينية في روسيا التي تراكمت في صناعة التعدين). وتشمل مشاريع الطاقة الروسية الكبيرة التي يتم تنفيذها أو التي سيتم إطلاقها باستثمارات صينية، “يامال للغاز الطبيعي المسال” و مشروع “أركتيك للغاز الطبيعي المسال2”. في ضوء هذه المشاريع بالإضافة إلى “مشروع “قوة سيبيريا” ضخ الغاز الروسي إلى الصين، وهو أول خط أنابيب غاز روسي صيني على الإطلاق سيتم تشغيله في أواخر عام 2019 ، فإن حجم صادرات الطاقة الروسية إلى الصين على الأرجح سوف تستمر في النمو بسرعة.
ثانياً : هناك إمكانات تعاون هائلة في التطوير المشترك للقطب الشمالي ، بما في ذلك مشاريع استكشاف وإنتاج النفط والغاز وتطوير طريق البحر الشمالي( من المتوقع أن تحصل الصين على حصة 20 في المائة في مشروع “أركتيك للغاز الطبيعي المسال2” ، في حين سيتلقى المستثمرون الفرنسيون واليابانيون 10 في المائة فقط لكل منهم).
ثالثاً: لدى روسيا آمال كبيرة في اقتحام السوق الزراعية الشاسعة في الصين، لأن الطلب على الواردات الزراعية كبير جداً في الصين (فقد استوردت في عام 2018 منتجات زراعية بقيمة 127 مليار دولار) ما أدى إلى تطوير قطاعات اقتصادية جديدة في بعض البلدان. على سبيل المثال ، أنشأت الأرجنتين قطاع فول الصويا الجديد لتلبية متطلبات الصين، وتركز روسيا أيضاً على إنتاج فول الصويا للتصدير إلى الصين.
حتى الآن ، تمثل روسيا حصة صغيرة من الواردات الزراعية الصينية (2.5 في المائة في عام 2018) لأن الصادرات الزراعية الروسية إلى الصين قد أعيقت بسبب الحواجز الجمركية وغير الجمركية فقد كانت الصين غير راغبة في رفع الحواجز غير الجمركية مثل قيود الصحة النباتية وحصص الاستيراد، لكن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة أجبرت بكين على تنويع مصادر وارداتها الزراعية والتوجه إلى الصادرات الزراعية الروسية، لكن التجارة الزراعية الثنائية لا يمكن أن تنمو إلا إذا رفعت الصين الحواجز التي تعرقل صادرات روسيا الزراعية إلى الصين. لقد تم اتخاذ بعض الخطوات الواعدة لتحقيق هذه الغاية فقد تم توقيع ست وثائق حول متطلبات الصحة النباتية لبعض الصادرات الزراعية الروسية خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ إلى روسيا في أوائل حزيران 2019.
رابعاً: التجارة الالكترونية عبر الحدود، والتي تعد سمة جديدة للتعاون التجاري والاقتصادي الثنائي ، إمكانات كبيرة. خامساً: يلعب التعاون المالي، بما في ذلك زيادة استخدام العملات الوطنية في التسويات الثنائية ، وتطوير نظام الدفع والتسوية بين البنوك، بالإضافة إلى إنشاء قنوات لتبادل البيانات المالية ، دوراً رئيسياً في علاقات التعاون الثنائي.
من الجدير بالذكر أن حصة العملة الوطنية الصينية من احتياطي الذهب والعملة في روسيا قد ارتفعت من 0.1 في المائة في حزيران 2017 إلى 14.2 في المائة في أوائل عام 2019. وخلال الاجتماع الدوري الرابع والعشرين في سان بطرسبرغ ، تحدث رئيسا وزراء روسيا والصين كثيراً عن خطط بلديهما لتعزيز التعاون الثنائي في مجال استكشاف الفضاء (بما في ذلك استكشاف القمر والفضاء البعيد) ، والبحث ، والتكنولوجيا والابتكار، وكذلك في صناعة السيارات والأدوية وتصنيع الطائرات.