تحقيقاتصحيفة البعث

مازالت حاضرة لدى البعض الهوايات القديمة تصارع للبقاء في زمن “الأندرويد” والهواتف الذكية

 

نتفاءل حين نرى بعض الأطفال مازالوا حتى اليوم يحافظون ويعيدون إحياء هوايات قديمة كانت من أساسيات طفولة الجيل القديم البعيد كل البعد عن ثورة الرقميات ومنتجاتها التي لا تفارق يومياتنا، فحين استعرض لنا خليل، الشاب البالغ من العمر 15 عاماً، بعض الخدع وألعاب الخفة التي بدأ يتقن تنفيذها بواسطة ورق اللعب، أعاد لنا ذكريات قديمة كنا نمارس الهوايات نفسها فنشعر بسعادة كبيرة حين نتعلّم حركة خفة أو خدعة ما بورق اللعب، وغيرها من الألعاب والهوايات، كان كل هم ذلك الشاب الصغير أن يتقن ويتعلّم المزيد من الخدع والمهارات وألعاب الخفة التي يسعد بها من يعرفهم، في المقابل تبدو هوايات أخرى حاضرة بخجل في يوميات بعض الأطفال والشبان بعد أن كانت منتشرة بكثرة في زمان مضى.

عملات وطوابع
يحتفظ رواد، ابن التسعة أعوام، بمجموعة عملات قديمة “ورقية ومعدنية”، ولديه أيضاً دفتر طوابع بريدية قديم جداً حصل عليه كتذكار من جده بعد أن أخبره ببعض التفاصيل والمعلومات عن هذه الهواية القديمة، وكيف كانت تشغل بال شبان وأطفال كثر في زمنه، فيتتبعون أخبار هذه العملات والطوابع البريدية، ويبحثون عنها، ويجمعونها بشغف، ويتبادلون قطعها وأوراقها المختلفة فيما بينهم، حينها قرر رواد أن هواية جده القديمة ستكون هوايته الجديدة أيضاً، وسيعمل ما استطاع لتخصيص وقت لها من أوقات فراغه، ورغم أن عاملي الحرب والتكنولوجيا قد ساهما في تغيير العديد من الهوايات عند الأطفال والشباب السوريين، إلا أن طابع تلك الهوايات القديمة مازالت فيه بقية من نفس، ورغبة في الاستمرارية والبقاء عند بعض المحبين والهواة.

بدأت بالانحسار
ويمضي الجد في الحديث الذي شاركنا فيه أمام حفيده رواد فيقول: هواية جمع طوابع البريد والعملات القديمة من الهوايات الممتعة والقديمة التي بدأت بالتسلية بها ومتابعتها بمرحلة الشباب، وهي تعود على الإنسان بمعلومات قيمة، وتنمي فكره وخياله، وتترك لديه مخزوناً تراكمياً من المعلومات، فمازلت أذكر مثلاً أن صدور أول طابع بريدي في العالم كان سنة 1840، وهو الطابع الانكليزي الذي يصور الملكة فيكتوريا، وللعلم ففكرة جمع الطوابع البريدية هذه بدأت في العالم حين فكر البعض بإزالة الطوابع الملصقة على الرسائل التي وصلت للمرء ولأقاربه ولأصدقائه من مختلف بقاع الأرض، وبقيت هذه الفكرة المصدر التقليدي للهواة حتى يومنا هذا، وجمع الطوابع، إلى جانب جمع العملات القديمة، هواية تصلح للكبار والصغار على السواء، فالعامل المشترك فيها هو حب المعرفة، ولكل طابع بريدي أو عملة هدف أو قصة من ورائها، فهي تكرّم الشخصيات، وتدوّن القصص، وتحتفل بالذكريات، وتخلّد مناسبات كثيرة عبر طبع هذه المعلومات على العملة أو الطابع نفسه، ويختم الجد بجولة لحفيده في دفتر الطوابع المؤلف من 15 مجلداً و28 صفحة تحتوي مجموعات طوابع سورية، ومصرية، وعراقية، وأمريكية، وبريطانية، وغيرها، ثم ينهي حديثه بالقول: للأسف هذه الهواية أخذت بالانحسار في زمن التكنولوجيا، وزمن الفيسبوك، والواتس، والمراسلات البريدية الالكترونية التي لا حاجة للطوابع بها.

من الواقع
ومع انحسار هوايات تقليدية قديمة، تبدو هوايات كلاسيكية مستمرة عند بعض الأطفال، لكنها متأثرة بطبيعة الأحوال بسنوات الأزمة وواقع الحرب، فمثلاً تحرص والدة الطفلة رند على تنمية هواية الرسم عند طفلتها ابنة السنوات الست، وتستعرض مجموعة من اللوحات التي قامت برسمها مؤخراً، تاركة لرند شرح مضمون تلك اللوحات التي تظهر بصمة الواقع بوضوح فيها، وببراءة الطفولة تشرح رند عن إحدى لوحاتها: هنا جندي سوري يحمي الوطن، ويرفع راية علمنا بعد انتصار جيشنا في معركته ضد الإرهابيين، وعن لوحة أخرى تتحدث أيضاً: هنا أم سورية تزور ضريح ابنها الشهيد الذي ارتقى إلى السماء بعد أن دافع عن الأرض وحمى الوطن، من جانب آخر تنمي أم رند عند ابنتها هواية القراءة في فترة الاستراحة والعطلة الصيفية، وتقول: إن أهم هواية في الحياة هي القراءة، وإنشاء مكتبة للطفل بشكل تدريجي تنمي معرفته، ويستطيع الرجوع إليها للحصول على المعلومات، وتمضية وقت الفراغ فيما يفيد، وتختم: صحيح أننا في زمن ثورة المعلومات والانفجار المعرفي الذي ملأ صفحات الأنترنت، لكن أطفالنا بحاجة حقاً لكي نساعدهم في خيارات القراءة الصحيحة، وتوجيههم لكتاب عظماء، فليست أية معرفة منتشرة تصلح كي تكون هواية تنمي عقول أطفالنا.

هواية وحرفة
في المقابل تهتم ربة المنزل أم نوار بتعليم ابنتيها لين ورنيم فن حياكة الصوف والمطرزات في فصل الصيف هذا العام، وتقول: من المهم حقاً أن تكون الهواية التي نقدمها لأطفالنا منتجة، وحرفة في الوقت نفسه، لأن أجمل العمل هو ما نحبه، وأجمل الهوايات هي ما نستمر بتطويرها في العمل، وهناك أشياء كثيرة كنت أهواها وتعلمتها في صغري كالحياكة بسنارة واحدة، وتطريز المنمنمات، وتصميم مزركشات كثيرة، وأحرص على نقل خبرتي لابنتيّ لتكون عوناً لهما في المستقبل في زمن الاعتماد على النفس.
وتبدو هواية عزام مختلفة قليلاً، فالشاب البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً يهتم بمتابعة التكنولوجيا وآخر صيحاتها من المنتجات، ويتحدث عن هوايته فيقول: متابعتي لأخبار التكنولوجيا منحتني خبرة ومعرفة ودراية بأنواع الهواتف الخلوية، أو الأجهزة الحديثة ومواصفاتها وأسعارها، لذلك كنت دائماً أحرص على الشراء والبيع لاحقاً، وهي هواية تعود ببعض المردود المادي أحياناً، ولكن للأسف فارتفاع أسعار منتجات التكنولوجيا في ظل الأزمة جعل هوايتي في تراجع.

حرية الاختيار
يؤكد الدكتور مهند إبراهيم، مدرّس علم نفس الطفل في جامعة البعث، أهمية تنمية الهواية عند الطفل ومتابعتها المستمرة من الأهل، ويوضح أن الهواية نشاط منتظم، أو اهتمام يمارس خلال أوقات الفراغ بقصد المتعة أو الراحة، وتشمل تصنيفات وأشكالاً كثيرة، فهناك هوايات التعلّم كالجمع والقراءة، وهناك الفنون المختلفة، حيث تؤدي إلى اكتساب مهارات ومعرفة كبيرة، ومع أن بعض الهوايات تعود على أصحابها بمنفعة مادية، لكن الهواية لا يقصد بها تحقيق الأجر، وإنما المتعة فقط، ومن المهم التأكيد على عامل الحب، والرغبة الشديدة، والاندفاع تجاه الهواية حتى تنمو بشكل صحيح داخل الطفل دون فرض أو تلقين من قبل الأهل، كبعض الآباء الذين يسجلون أبناءهم في دورات للعزف أو الرياضة دون رغبة الطفل، بمعنى يجب ترك حرية الاختيار للطفل مع المراقبة والاهتمام لما يبدع فيه حتى تصبح الهواية مفجرة لطاقات الطفل في اكتشاف واستخراج طاقته الكامنة في داخله، ثم متابعتها من الأهل وتطويرها لتحقق أكبر قدر من الإبداع عند الطفل.

تحولات ملحوظة
ويضيف د. إبراهيم متحدثاً عن التحولات التي طرأت في هوايات السوريين عموماً، والأطفال بشكل خاص في فترة الأزمة، فيقول: للأسف الظروف العصيبة التي تمر بها سورية الحبيبة تركت أثراً ملحوظاً في تحول العديد من الهوايات، واندثار بعضها الآخر، كما كان للتطور التكنولوجي أثر مشتت في توجه الأطفال لهوايات جديدة، بعضها ذو أثر سلبي يدور في إطار الارتهان لهذه التكنولوجيا، فتبعد الأطفال عن الأنشطة الرياضية، والهوايات الخارجية التي تنمي حس الخيال لديهم، ويكمل د. إبراهيم: من المهم جداً خلال فترة العطلة الحالية أن يتابع الأهل ويطوروا هوايات أولادهم دون تركهم لحالة الشعور بالملل والفراغ حين يردد بعضهم أن العطلة مرت بسرعة ولم يستمتعوا بها أو ينجزوا أي شيء، فممارسة الهوايات تجعل الطفل منظماً ومقدراً لوقته، فيكره الخمول أو الجلوس بلا عمل، وبذلك نكون قد أنشأنا طفلاً مستغلاً للوقت، وباحثاً عن إتمام خططه ومشاريعه من باب الهوايات التي يحب ممارستها، فيخدم وطنه ومجتمعه، ومن المهم هنا مشاركة الشباب في الجمعيات الأهلية والتطوعية والخيرية، أو الجماعات الطلابية، لأنها تعتبر نوعاً من ممارسة الهوايات، فكل شخص ينتسب لأية جماعة تناسب ميوله، ثم يبدأ بممارسة هواياته في خدمة تلك الجهة، وهو ما يساهم في زرع روح الجماعة والمحبة والتعاون عند الطفل أو المراهق أو الشاب.

محمد محمود