الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نوافذ 57

عبد الكريم النّاعم

خلل ما أصاب جهازاً الكترونيا، وهو ممّا لايُستغنى عنه، فذهب إلى أوّل مصلِّح وعرضه عليه، فتنفقّده، وقال له: “هذا يكلّفك عشرين ألفاً”، أحسّ أنّ الدنيا أضيق من خرم إبرة، ذهب إلى آخَر: “فقال له: “هذا يكلّفك ثلاثين ألفاً”، مادتْ به الأرض، هذا مبلغ كبير في هذا الزمن الأغبر، ذُكر له شخص يعمل في هذه المصلحة، وُصف بالصدّق، والابتعاد عن الطمع، فذهب إليه، ودون سؤال عن الكلفة وضعه عنده وقال له: “أريد تصليح مابهذا”، فأجابه: “ضعْه، وعُدْ بعد يومين”،.. عاد وهو يفكّر كيف ستنتهي أيام هذا الشهر الذي زيد في خروقه، بعض أجهزتنا صار معادلا لقيمة الأكل والشرب، تفقّد مافي جيبه قبل الوصول، وحين دخل المحلّ وجد الجهاز كما كان قبل العطل، فنشف ريقه قليلا وقال له: “كم تريد”؟، دون أن يترك مافي يده قال له: “ألف ليرة”، لم يتمالك نفسه، وظنّ أنّه يسخر منه، فقال باحتجاج: “هل بيني وبينك مجال للمزاح”؟! فأجابه بعد أن رفع رأسه إليه: “أخي أنا لاأمزح”، فجلس على كرسيّ، وقصّ عليه ما سمعه ممَن ذهب إليهم، فأجابه: “أنا آخذ الألف وأنا على ربح منها، ماكان فيه عطل بسيط، وبمجرّد تنظيفه، ولصْقه عاد كما كان”، فسأله بشيء من التحبّب: “ماقصّتك؟!!، من الآلاف الثلاثين إلى الألف، ماالسرّ في ذلك”؟! أجابه وهو يمدّ يده إلى جهاز يتناوله لتصليحه: “السرّ في يقظة الوجدان، وفي مَن يريد أن يكسب رزقه من حلال، وفي اليقين أنّ الصدق باب من أبواب الرزق الواسعة، حتى حين تضيق…”

****

جلس صديقي يُدخّن بشراهة، فبادرته: “مابك”؟!، فقال: “أنا حين أغضب من شيء أدخّن هكذا، وحين أرتاح لشيء أدخّن بهذه الطريقة”، فمازحته قائلا: احترْنا ياأقرع من أين نبوسك”، فردّ بعبوس النّافر: “ألم تجد غير هذا المثال”؟! فأجتبه:” قالوا المثّل لايضرّ الممثول، لاتضيّع الجهة التي نحن فيها، لم تقل لي مابك”؟، فأجاب: “قرأت خبراً على صحيفة التواصل الاجتماعي مفاده أنّ أحد المهاجرين من سوريّة، في بلد أوروبيّ متقدّم، قد وجد مبلغاً كبيرا من المال، وأنت تعلم حال معظم المهاجرين، فهم مايكادون يحصلون على لقمة العيش إلاّ بالشديد القويّ، ورغم ذلك فقد حمل المبلغ، وذهب إلى مخفر للشرطة وسلّمهم إيّاه، فكان محطّ الإعجاب والتقدير، وسؤالي تُرى لو وجده في بلد عربي هل كان يفعل الفعل نفسه”؟! أجتبه: “أرجّح أن نعم، لأنّ الأمانة والصدق ومكارم الأخلاق بعامّة لاوطن لها، بل وطنها وجدان حاملها، ولم يقم بذلك لأنّه في بلد يسود فيه القانون، والأمانة العامّة، ونحن لو أحسنّا التربية، وخفّفنا من ضيق الحياة على العباد فسنكون قد أنشأنا مزرعة لاينبت فيها إلاّ النبات الطيّب، وهذا يقتضي ترسيخ هذه الأسس في التربية في البيت، والمدرسة، وفي مساحات الحياة كلّها، وإذا كنتَ تغمز ممّا يواجهنا من انهيارات في القيم، فمعظمه ناشئ عن الظروف التعيسة التي تمرّ بنا، وليس شيئا أصيلا في مجتمعاتنا، وهذا التّدهور هو أحد نواتج ماخطّط له المتآمرون، لسنا في تكويننا مجتمع ذئاب وضباع، بل مانشكو منه بعض مايُراد لهذه الحرب الظالمة أن تُفشيه في بلادنا…”

****

كانا يتحادثان وأنا أستمع، قال الأوّل: “لي صديق مهاجر إلى أحد البلدان المتقدّمة، كتب على صفحته أنّ زيادة ما دُوّنت في فاتورة استهلاكه للماء، فراجّع بشأنها الشركة المختصّة”، وبعد أيام وضعوا جهازا لمعرفة ما إذا كان ثمّة تسرّب مياه في العدّاد، وهذا ماثبت لهم، فاعتذروا منه، وأعادوا له المبلغ الزّائد، فتصوّر”، فأجابه الثاني: “تماما، مثل عندنا”….

aaalnaem@gmail.com