تحقيقاتصحيفة البعث

“وطن بنيناه بعرقنا نحميه بدمائنا” القادري: السواعد التي بنت صروح التصحيح ستكون في مقدمة طلائع الإعمار والبناء

لم يأت تبني الاتحاد العام لنقابات العمال لشعار “وطن بنيناه بعرقنا نحميه بدمائنا”، ليكون شعاراً للدورة /27/، من فراغ، بل نتيجة لواقع نقابي فاعل ومتفاعل مع الأحداث، ومتناغم مع حركة المتغيرات والتاريخ النضالي الوطني المشرف لأبناء الطبقة العاملة، فقد عملت الحركة النقابية على استمرار دوران عجلة الإنتاج، ونجحت في تقديم كل ما من شأنه تصليب حالة الصمود السوري، إضافة إلى وقوفها في خندق المواجهة الأول مع رجال الجيش العربي السوري، وتقديم آلاف الشهداء دفاعاً عن الأرض والسيادة.

اليوم مع اقتراب الدورة السادسة والعشرين من نهايتها، والتي كانت زاخرة بالعمل والإنجازات، مازال هناك العديد من الملفات النقابية، وغيرها من القضايا التي كانت محور حديثنا مع جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال الذي التقيناه بعد عودته من جنيف مؤخراً ومشاركته في اللجنة الدستورية التي كانت له فيها تصريحات قوية عبّرت عن رأي السواد الأعظم من الشعب السوري، حيث أكد القادري آنذاك على أن «الدولة السورية منتصرة”، وعلى رفض المساس بالثوابت الوطنية التي تعتبر ثوابت مقدسة.

المضمار الصحيح

الذكرى التاسعة والأربعون للحركة التصحيحية كانت فاتحة الحديث مع جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال الذي أشار إلى الحيز الواسع الذي تشغله الحركة التصحيحية ومنجزاتها وعطاءاتها في وجدانية الطبقة العاملة السورية، مؤكداً على أن الصمود الأسطوري الذي حققه الشعب العربي السوري على امتداد سنوات الحرب، والذي أذهل العالم، يجد مرتكزه ومستنده في الإرث العظيم الذي بنته الحركة التصحيحية من إنجازات وشوامخ غطت كل مجالات الحياة، وشكّلت مع ما أضافته مسيرة التطوير والتحديث بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، متراس الصمود الأساسي في وجه أعداء الإنسانية في حربهم البربرية على الشعب السوري وإنجازاته.

الدورة الانتخابية العمالية الـ 27

الانتخابات النقابية شكّلت المحطة الثانية في حديث القادري الذي أشار إلى أن المرحلة الأولى من المؤتمرات النقابية الانتخابية التي بدأت في  15/10/2019 شارفت على الانتهاء، لتبدأ المرحلة التالية مع بداية الشهر القادم بانتخاب مجالس اتحادات عمال المحافظات ومكاتبها التنفيذية، والمندوبين المتممين إلى المؤتمر العام، كذلك تعقد الاتحادات المهنية مؤتمراتها ما بين 17/12/2019 وحتى 31/12/2019، ويُعقد المؤتمر السابع والعشرون للاتحاد العام لنقابات العمال في الفترة ما بين 15/1/2020 وحتى 31/1/2020، وذلك في ختام عملية انتخابية واسعة تمثّلت بانتخاب حوالي عشرين ألفاً لاختيار كادر نقابي عمالي سيقودون النضال النقابي في كافة المستويات خلال السنوات الخمس المقبلة، بدءاً من اللجنة النقابية في مواقع العمل، مروراً بمؤتمرات  النقابات ومكاتبها،  واتحادات المحافظات، والاتحادات المهنية، وصولاً إلى الاتحاد العام لنقابات العمال.

ولفت القادري إلى أن الحرص على إنجاح العملية الانتخابية حقق الهدف المنشود منها المتمثّل باختيار قيادات نقابية وطنية وطبقية تتحلى بالسمعة الطيبة والنزاهة والكفاءة بأوساط المجتمع العمالي الذي قام بانتخابها.

الهدف الأساسي

وبيّن رئيس الاتحاد العام أنه تم العمل خلال سنوات الدورة السادسة والعشرين على مأسسة العمل في الاتحاد العام، وفي الاتحادات والمنظمات النقابية لتحقيق الهدف الأساسي المتمثّل بمصلحة العامل الذي تحمّل الكثير نتيجة الحرب العدوانية اللئيمة، حيث كان هناك عمل جاد لتأمين تمويل موارد مالية للاتحاد من خلال إنشاء استثمارات عمالية، ووحدة اقتصادية إنتاجية لإنتاج اللباس العمالي، ومطبعتين، وقد ساهم ذلك برفد المنظمة بالتمويل، فأحدث الصندوق المركزي للتكافل لصالح أسر شهداء العمال والجرحى لمنح إعانات مستدامة مادية بحسب إمكانيات الصندوق، وتقديم المساعدة لجميع حالات الاحتياج لأسر شهداء العمال والجرحى بمناسباتهم الاجتماعية والمعيشية كتقديم المساعدة لأبنائهم بالدخول إلى الجامعات، واستكمال علاج الجرحى، كل ذلك من الموارد الذاتية التي حددت من كل فوائض موازنات المنظمات النقابية في المحافظات، حيث تم تقديم أكثر من 70 مليون ل.س في الفترة الماضية من عام 2019.

وتابع:  في بداية كل عام نستهدف بشكل خاص الشرائح الأشد احتياجاً من عمالنا بالعديد من المساعدات، ففي بداية العام الدراسي وزعت أكثر من 15000 ألف حقيبة مدرسية مع متمماتها، عدا عن تنظيم الاتحادات والنقابات دورات في المواد الأساسية لأبناء العمال في الشهادتين الإعدادية والثانوية لتخفيف الأعباء المعيشية مهما بلغت التكاليف، إضافة إلى المساعدات والإعانات التي تقدمها صناديق المنظمة، وصناديق المساعدات الاجتماعية، وصناديق التكافل المركزية العائدة للاتحاد ومنظماته النقابية التي قدمت خلال عام 2018 حوالي 4.5 مليار ليرة سورية، علماً أن الاتحاد العام ومنظماته النقابية يعتمد التمويل الذاتي، ولا يحصل على أية مساعدة من أية جهة كانت، ناهيك عن الخدمات الصحية شبه المجانية، إضافة إلى الدور الوطني الذي تتصدى له المنظمة من خلال علاقات الاتحاد الخارجية عربياً ودولياً لشرح حقيقة الحرب على سورية، وفضح أدواتها وداعميها ومموليها، والتي كان آخرها الملتقى النقابي الدولي الثالث للتضامن مع عمال وشعب سورية في وجه الإرهاب والحصار والإجراءات القسرية أحادية الجانب، والذي توّج بلقاء المشاركين مع السيد الرئيس بشار الأسد.

الهم المعيشي

وحول الواقع المعيشي والحلول التي يعمل الاتحاد العام عليها بالتعاون مع الحكومة قال القادري: خلال لقاء السيد الرئيس بشار الأسد مع قناتي السورية والإخبارية أكد على استعادة دور مؤسسات الدولة من أجل السماح لدورة العمل بالعودة، وهذا ما يشكّل القاعدة الأساسية لأي تحول في الواقع المعيشي، وأضاف: إن الهم والاهتمام والمشكلة الحقيقية التي تواجهنا، مع إدراكنا للضغوط والتحديات التي واجهتها سورية في إطار الحرب الاقتصادية التي تمثّلت في تدمير المنشآت، ونهب ثروات وموارد بلدنا، هي الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه العمال على ضوء تآكل القدرة الشرائية للدخول نتيجة معدلات التضخم العالية التي حصلت بسبب الحرب العدوانية على سورية بالدرجة الأولى، وتوجد حاجة ماسة لمقاربة هذه المسألة من خلال زيادة حقيقية في الرواتب والأجور، لا نقول لتعادل متطلبات المعيشة الحالية، ولكن على الأقل لتضييق الفجوة بين دخول العاملين ومتطلبات المعيشة ولو بحدودها الدنيا، وفي هذا الإطار توجد قضايا التعويضات العمالية، وتوجد الكثير من التعويضات التي جرى تحريكها بتوجيه من رئاسة مجلس الوزراء مثل الحوافز، ففي بعض المؤسسات تمت مضاعفة مبالغها بأرقام معقولة، ونتمنى أن تكون هناك استجابة في هذا الإطار لكي نساهم في تقليص الفجوة التي يعانيها العامل بين دخله ومتطلبات الإنفاق، وأيضاً هناك قضايا عمالية مهمة جداً، واستطعنا بالتعاون مع الجهات المختصة في عام 2018 تحويل عقود نحو ثمانية آلاف عامل مياوم إلى عقود سنوية.

أنسب الأوقات

ولم يخف رئيس الاتحاد العام أن صعوبة الظروف والطبيعة النضالية للعمل النقابي لم تمكن الاتحاد العام من تحقيق كافة المطالب العمالية، وخاصة المصنفة في خانة المستعصية والقاسية التي ينتظر الوقت المناسب  لمعالجتها، لكن ذلك لا يعني التخلي عن القضايا المطلبية والوطنية، وفي مقدمتها إعادة تأهيل المنشآت والمعامل التي دمرها الإرهاب جزئياً أو كلياً لتعود إلى دعم العملية الإنتاجية في إطار مسيرة التعافي لما بعد الحرب، إضافة إلى المطالبة الدائمة بتحسين الوضع المعيشي، وزيادة الرواتب، والإصلاح الإداري، ومحاربة الفساد، وهنا عاد القادري ليؤكد على أن المنظمة النقابية ووفق مواد قانون التنظيم النقابي رقم 84 معنية بمحاربة الفساد، ولها دور ومهمة مزدوجة، وتابع: نعم نحن منظمة نقابية مطلبية تعنى بحقوق العمال، لكن لنا وظيفة مهمة لا تقل أهمية هي دور الرقابة الشعبية الذي يجب أن نمارسه بكفاءة واقتدار، ولذلك نحن نعمل على أن نحصّن أنفسنا من هذه الآفة، ثم نشير بجرأة وموضوعية إلى حالات الفساد التي تنخر جسد الاقتصاد الوطني، وهذه مهمة وطنية ونقابية وعلى كل المستويات، حربنا مازالت قائمة، والأنين الذي نسمعه أنين محق، وعمالنا يعانون، وكل فقراء الوطن يعانون، لكن الحرب مازالت مستمرة وقائمة، وخاصة في الشق الاقتصادي، والمطلوب من الجميع الاستمرار في حالة الصمود التي عشناها خلال سنوات الحرب الطويلة، وتحقيق النصر الناجز.

ولفت إلى أن جميع القضايا، سواء العمالية منها، أو الاقتصادية، أو الإنتاجية، أو القضايا المتعلقة بالفساد، تصاغ بمذكرات رسمية، وترفع للمفاصل المختصة في الحكومة، لكن المشكلة التي تواجهنا حيال ذلك أن أغلب الردود أحياناً لتبرير ما هو قائم وليس لإصلاح المشكلة أو القضية،  وكذلك الأمر بالنسبة لقضايا الفساد، فهناك بعض قضايا الفساد التي أشرنا إليها، والتي كان التعاطي معها لا يرقى إلى المستوى المطلوب، وأضاف القادري: هناك عشرات المذكرات التي أعدها الاتحاد العام، وهي حصيلة عمل سابق، وأخرى صادرة عن المرصد العمالي، حرصاً من الاتحاد العام على أن تكون مذكراتنا ودراساتنا علمية وموضوعية بعيدة عن الارتجال، لكن رئيس الاتحاد العام عاد ليقول: للإنصاف، نلقى التجاوب حيال بعض القضايا التي نشير فيها إلى الفساد، ولكن في المقابل هناك الكثير من القضايا التي لا تلقى تجاوباً، على الرغم من وجود وثائق وثبوتيات على ما نطرحه، وأضاف بأن ما يمنعنا من طرح بعض القضايا هو حساسية الظرف، ودقة الموقف، ولا شك أن الحكومة القائمة هي حكومتنا، وهناك عمل ينجز، ولكن هذا لا ينفي وجود أخطاء، وهنا دعم القادري هذه القضية بما قاله السيد الرئيس بشار الأسد، ليشير إلى واقع العمل الحكومي والتهم التي تلاحقه بالتقصير والفساد: “هناك وزارات تعمل، وهناك وزارات فيها ربما تكاسل أو تقصير، وهناك ضمن الوزارات مؤسسات تعمل، وهناك مؤسسات لا تقوم بواجباتها”، ولفت إلى أن اختلاف الظروف ساعد على إعطاء مكافحة الفساد الأولوية، وهذا ما أكد عليه سيادته: “الآن أعطيت الأولوية لمكافحة الفساد بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيشها”.

 

القطاع العام

وفيما يخص القطاع العام كخيار استراتيجي لسورية أكد القادري أن العمل على إصلاح القطاع العام يشكّل منذ سنوات هدفاً استراتيجياً رغم الكثير من الملاحظات النقابية على أداء الجهات الوصائية في هذا القطاع  التي أضاعت البوصلة أحياناً، وابتعدت عن الواقعية في زحمة الأولويات، ولفت إلى أن  توجيهات  السيد الرئيس بشار الأسد واضحة في هذا المجال، وبشكل يؤكد أنه لا يوجد توجه أو أي تخطيط إلا في اتجاه إصلاح منشآته، وقد أثبتت هذه الحرب المشؤومة على سورية أن ما تبقى من قطاعنا العام ساهم بشكل كبير بالجانب الاقتصادي، حيث أمنت مؤسسات ومفاصل القطاع العام الكثير من السلع الأساسية للمواطنين لتصليب صمودهم في هذه الحرب، وقد كانت الاجتماعات واللقاءات بين الحكومة والنقابات تسعى باتجاه الخروج بنتائج قابلة للتنفيذ، سواء على المستوى الإداري، أو على المستوى التسويقي والإنتاجي، والهدف دائماً إعادة بناء مؤسسات القطاع العام، هذه المؤسسات التي تحتوي صروحاً كبيرة عبثت بها أيدي الإرهاب الأسود، وخربت الكثير من المفاصل، وهذه الاجتماعات تصب في اتجاه تطوير وإصلاح وإعادة بناء هذه المؤسسات، كما أكد سيد الوطن في مقابلة مع قناة “آر تي انترناشيونال وورلد” عندما قال: لايزال لدينا قطاع عام حتى هذه اللحظة، وهو الذي حمى الاقتصاد في سورية، كما أن الخدمات جزء من القطاع العام، ولولا القطاع العام لما تمكّنا من تجاوز هذه الحرب، دور القطاع العام مهم لأننا حكومة اشتراكية على كل حال.

القوانين

وتابع القادري: بالنسبة لقانون العاملين الأساسي، نحن منذ بداية الدورة النقابية الحالية نعمل مع الجهات الحكومية المختصة بشأن هذا القانون، وأنجزنا تعديلاً كاملاً على القانون، ولكن قالت لنا الحكومة السابقة إنه لا توجد إمكانيات مادية لتنفيذه، فاختاروا مجموعة من المواد (15 مادة) تستجيب لحقوق عمالية واضحة، وبعد إنجازها أصبح الموضوع على طاولة رئاسة مجلس الوزراء، وفي هذا الوقت صدر القانون 28 الذي حدد مهام وزارة التنمية الإدارية، وأصبح هناك توجه كي يكون هناك قانون للوظيفة العامة، واختلفت النظرة كلياً، وكانت مطالبنا المستمرة والمتكررة هي إصدار التعديلات، لأن ما يتعلق بالإصلاح الإداري، والتطوير الإداري، وقانون الوظيفة العامة مسألة قد تستغرق سنوات عدة، لأنها مسألة خلافية وتحتاج إلى نقاش واسع، فنكرر مطالبتنا بصدور التعديلات على القانون رقم 50 التي تلبي حقوق ومطالب العمال، وعندما ينضج قانون الوظيفة العامة الذي يتضمن المراتب الوظيفية نكون على الأقل إلى ذلك الوقت أوجدنا الحلول للكثير من مشاكل عمالنا وقضاياهم الحقوقية.

وأوضح القادري بالقول: لدينا رؤية عمالية لمتطلبات إعادة إطلاق مسيرة التنمية، ونرى أهم بند في إعادة التنمية إلى مسارها الصحيح هو إعادة إعمار وبناء معامل القطاع العام المدمرة، وتشجيع القطاع الخاص، ومساعدته، وإزالة المعيقات بكل أنواعها من أمامه، وأضاف: رغم الكثير من التصريحات حول إعادة انطلاق التنمية، إلا أن الواقع بكل صراحة على الأرض لا يدعم التصريحات.

أولوية وطنية

وفي نهاية الحديث أكد القادري على أن الاتحاد العام لنقابات العمال سيعزز من حضوره في المرحلة القادمة، وسيكون الرافعة الأساسية لعملية إعادة الإعمار، فالسواعد التي بنت صروح التصحيح ستكون بخبراتها الوطنية في مقدمة طلائع الإعمار والبناء.

بشير فرزان