ثقافةصحيفة البعث

القيم

محمد راتب الحلاق

القيم من المحددات الموجهة لسلوك الأفراد في المواقف الحياتية المختلفة. ومفهوم القيم من المفاهيم الغامضة، نتيجة تناوله من دارسين ينتمون إلى مجالات فكرية متعددة، الأمر الذي أدى إلى تعدد الدلالات، بالرغم من وجود مشتركات تمت الإشارة إليها في التعريف الذي قدمه (شوارتز ويلسكي): “القيم عبارة عن مفاهيم وتصورات للأمور المرغوبة (واللا مرغوبة)، المتعلقة بضرب من ضروب السلوك، أو بغاية من الغايات، وتتميز بأنها تتعالى عن المواقف الجزئية، وبإمكانية ترتيبها حسب أهميتها في سلم للأوليات”.

كما عرف الباحثان عبد اللطيف خليفة ومعتز عبد الله القيم بأنها: “الأحكام التي يصدرها الفرد (بدرجات معينة من التفضيل أو عدم التفضيل) على الموضوعات أو الأشياء، بالاستناد إلى التفاعل بين معارفه وخبراته والإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه المعارف والخبرات “في ربط واضح بين البعد الفردي والبعد الاجتماعي للقيم.

ويمكن إرجاع القيم جميعاً إلى الأقانيم العليا الثلاثة: الحق والخير والجمال، فثمة قيم تتعلق بالمعرفة، وقيم تتعلق بالأخلاق، وقيم تتعلق بالتذوق.

وفي حين يرى المثاليون أن القيم من طبيعة الأمور التي نحكم عليها، وصفة ذاتية من صفاتها، لذلك فهي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والمناسبات والسياقات التاريخية، فالجميل لابد أن يكون جميلاً دائماً، وعند الناس جميعاً؛ فإن غير المثاليين يرون أن القيمة صفة يخلعها العقل على الشيء، طبقاً للظروف والملابسات، لذلك فهي تتغير وتختلف باختلاف من يصدر الحكم؛ فالقيمة ذات طابع شخصي وذاتي لا أثر للموضوعية فيه، والقيمة، من ثم، وسيلة لتحقيق غاية ولا تطلب لذاتها.

والحقيقة أن القيمة إما أن تكون ذاتية تخص الشيء وتكون صفة من صفاته الكامنة فيه، وهو ما تعبر عنه نظرية الحسن والقبح الذاتيين، أو أن تكون خارجة عن الشيء وعن طبيعته، ولا تدخل في ماهيته، بل هي وسيلة لتحقيق غاية أخرى. وبالعودة إلى التجربة الشخصية لكل منا نجد أن القيم ذات مستويين، فهي إما أن تكون قيماً مثالية متصورة في الذهن، أو قيماً واقعية متمثلة في السلوك، تشير الأولى إلى ما يجب أن يكون، وتشير الثانية إلى ما هو كائن بالفعل، والتفاوت بينهما يسبب القلق والاضطراب للشخصية، نتيجة مخالفة السلوك للقيم المثالية المتصورة.

والملاحظ أن كلاً منا يسلك سلوكاً ينسجم مع فكرته عن نفسه، لذلك فإن تغيير سلوك الفرد يقتضي تغيير صورته عن نفسه أولاً، وقد دلت الدراسات أن الأفراد أكثر تمسكاً بالقيم الدينية والقيم السياسية، وأن من السهل التنبؤ بأنماط سلوكهم في هذين المجالين، نظراً لثباتهما النسبي. في حين يصعب التنبؤ بسلوكهم في مجال القيم الأخلاقية كالصدق والأمانة، فهم في بعض المواقف التي يأمنون فيها من المساءلة قد يكذبون وقد يغشون وقد يسرقون……. ، فهم يعرفون ما ينبغي عمله ولكنهم يخالفون ذلك سعياً وراء مصلحة، أو اغتناماً لفرصة (يعرفون ويحرفون).

فالعلاقة بين القيم الإيجابية والسلوك غير واضحة، وتكون أقل وضوحاً في بعض المواقف، وفي بعض المراحل التي تغيب فيها المحاسبة، أي حين تخفق الأساليب القانونية المشروعة في تحصيل الحقوق وحمايتها.

وتدرس قيم مجتمع من المجتمعات كمنظومة، كل عنصر فيها يؤدي وظيفة معينة، وتختلف بنية هذه المنظومة من مجتمع لآخر، والقيم المنضوية في المنظومة تتفاعل مع بعضها، وتتبادل التأثر والتأثير. ومنظومة قيم الفرد مشتقة من منظومة قيم المجتمع وعنصر من عناصرها.