الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

فيروز الحكاية

سلوى عباس

فيروز السيدة التي تناغي صباحاتنا.. تنده إلينا بصوتها الحريري الوادع فنصحو، يتدفق كلامها نشيداً يملأ ملكوتنا جليل الوقع غامر الدفء.. يسري برقته على أرواحنا بريقاً يضيء سجايانا، تغني أسرارنا، تغمرنا بموسيقا أغانيها وتمنحنا طاقة من حب نستعين بها على لهاثنا اليومي. فيروز.. هذا الصوت الذي شكّل قاسماً مشتركا للذائقة الفنية العربية والعالمية، وأصبح بريداً أخضر يخترق حتى خصوصياتنا، ففي صفحاتنا الزرقاء هي مفتاح يعتمده كثيرون في التواصل مع أصدقائهم على صفحاتهم، يكسرون جليد الشاشة البارد بأغنية فيروزية يذيلونها بعبارة “صباحكم فيروزي”، وهم على يقين أن طلبهم إذا لم يستجب فهم على الأقل سيكونون زواراً دمثين فتحيتهم فيروزية، هذه التحية التي لا يغضب أحد منها، فهي سيدة الحضور والأوقات الجميلة.

****

هي الأغاني تندلع على السهوب تلوّنها وتراقص في السماء طيوبها.. تمتد الغبطة كالنور على كل المساحات، والضوء يلفح لياليّ المديدة لأبقى مصلوبة على الحلم المشع على حين أغنية تتغلغل في روحي، وشريط اللحظات المورقة ويخضورها الوارف، تلون صباحاتي الزرقاء بالمطر وتهزج في قلبي الأفراح، ولم يكن لهذه الأغنيات من غاية لدي سوى جمال لحنها الذي يأخذني من ذاتي مترافقاً مع كلمات تشدو بها أصوات مخملية عشنا معها زمناً ولا زالت تأسرنا، لتحضر في ذاكرتي تلك الطفلة بتنورتها البحرية وبلوزتها الكحلية وحذائها الأبيض متسمرة أمام شاشة التلفاز غافلة عن كل الضجيج حولها تتابع اسكتش “سهرة حب” الذي كان بداية ولعها بفيروز والرحابنة، ومن يومها وحتى الآن كلما سمعت هذه الأغنية يحضر لديها إحساس تلك اللحظة التي سمعتها بها لأول مرة.

****

فيروز الحكاية.. تأخذني عبر مسرحياتها وشخصياتها إليها، فكانت “زاد الخير” ناطورة المفاتيح للناس الذين أرهقهم الظلم وغادروا بلدتهم تلامس وجداني فأشعر وكأنني أنا هي، ومرة أرى نفسي أشبه “قرنفل” في “صح النوم” التي سرقت ختم الوالي لتختّم معاملات الناس، هذا الهاجس الذي لا يفارقني بتقديم المساعدة لمن يحتاجها، وبعد مدة من الزمن اقتربت أكثر من  “زيون” في “ميس الريم” التي كانت تشعر بالظلم الذي يعانيه الناس وكأنها هي التي ظُلمت.. زيون البنت التي رافقها الحلم منذ الصغر، لكن مع مرور الأيام كان حلمها يتهدم دون أي فرصة لتحققه، وقذفتها الريح بالاتجاه الذي حددته لها، وكم شعرت بالقواسم المشتركة بيننا.

وتختلف الحالة بيني وبين ريما التي عثرت على خاتمها لدى بياع الخواتم بينما كانت الخواتم أصغر من أصابعي، وبقيت أنتظر خاتماً قد يأتي في زمن ما.

شخصية وردة في “المحطة” كانت الأقرب لي، إنها وردة الحلم التي اخترعت للناس حالة الانتظار المرافق للأمل القادم مع “الترين” ومحطات السفر، وكلّ قطار لا بدّ له من محطّة يتوقّف فيها لنقل المسافرين إلى زمان مختلف تتجدد فيه الحياة بما ينسجم ورؤيتها خلاصاً من الرتابة والروتين الذي اعتاد عليه الناس. لكن للأسف عندما أتى القطار لم تتمكّن وردة من الحصول على تذكرة وتبقى وحيدة في فضاء المحطّة تتصارع أفكارها ما بين وردة الحلم ووردة الواقع تغني “لليالي الشمال الحزينة”، و”وحيدة تؤلف عناوين لا تعرف لمين” وتصرَ وردة الحلم على موقفها من مجيء القطار ومعاودة الانتظار، الذي هو بحدّ ذاته قيمة تنفتح على استمرارية الأمل واكتمال الشوق.