ثقافةصحيفة البعث

الموسيقا الشرقية..رسائل الزمن الجميل

 

“الموسيقا رسالة تتناولها الأجيال” هكذا وصف حال الموسيقا الباحث وضاح رجب باشا في محاضرته ضمن سلسلة موسيقا الزمن الجميل في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وطرح من خلالها أسئلة عدة تدور حول حال الموسيقا الشرقية اليوم؟ وهل وُجد من حمل الرسالة من الفنانين المعاصرين؟

كاظم الساهر والنزاريات
استهل الباحث باشا حديثه بأهمية الموسيقا في سورية وإسهامها الفعلي في تطور الحركة الموسيقية في مصر من خلال سفر المطربين والملحنين والموسيقيين إليها نتيجة التقلبات السياسية في سورية التي أثرت على الفن، في حين شهدت مصر استقراراً منذ عهد جمال عبد الناصر حتى عام 1970، لينتقل إلى المحور الرئيسي ويبدأ من تجربة كاظم الساهر الذي استطاع أن يطوّر تجربته على صعيد اللحن والكلمة والصورة بإخراج الفيديو كليب، والملفت أن الساهر بدأ بالغناء العراقي الشعبي فعرض فيديو كليب بإمكاناته البصرية البسيطة للأغنية العراقية”يا ساهر فوق الرمال” وتوقف باشا عند اللحن البسيط المبني على إيقاع الأوزان العراقية الشعبية، إلا أن ذكاء الساهر مكنه من تطوير تجربته بارتباطه بقصائد نزار قباني حينما غنى أجمل قصائده مثل “هل عندك شك” وقارن الباحث بعد عرض الفيديو الرائع بسحر المكان وعزف الساهر على البيانو بين الجمل اللحنية في هذه الأغنية وسابقتها بغنائه الشعبي، وبيّن الباشا بأن الساهر اعتمد في قصيدة قباني على الآلات الغربية والإيقاعيات والدرامز والأوركسترا الغربية، وأعطى دوراً خاصاً للفلوت، وتحدث عن التطور الكبير في الجمل اللحنية والإيقاع السريع والحركة الراقصة، ليصل إلى أن الإيقاع السريع لم يؤثر على مضمون القصيدة التي تبوح بالشكوى والاشتياق والتغزل بالحبيبة.

النمط الغربي
ومن الساهر إلى ماجدة الرومي المنتمية إلى عائلة فنية والتي حققت شهرة كبيرة بعد عام 2000والتزمت بنمط غنائي ملتزم وجاد، وصنف النقاد صوتها بأنه سوبرانو، إلا أن الباحث باشا يرى أن صوتها مترابط وقوي ويصنف بطبقة ميزو سوبرانو وليس سوبرانو، ليحلل أكثر بعد عرض مقتطفات من حفل قرطاج الذي غنت فيه “مع السلامة” وقدرتها على الامتدادات الصوتية واعتمادها أيضاً على الآلات الغربية والساكسفون بشكل خاص واستخدامها الإيقاعات الغربية، لأنها كانت تميل إلى النمط اللحني الغربي أكثر من الشرقي، ليخلص الباحث إلى أن ماجدة الرومي لم تجد الملحن الذي يقدم خامة صوتها، إضافة إلى عدم قدرتها على اللفظ السليم مما حال من تطور تجربتها.
وينتقل الباحث إلى الصوت الذي لم يقدر الله له الاستمرار ذكرى التي قُتلت وبموتها مات الأمل باستمرار الرسالة، إذ وصف الباحث صوتها بالمعجزة متوقفاً عند جمالية العُرب الصوتية والأداء السلس والوقوف الرائع محللاً بعد عرض فيديو”وحياتي عندك” الجمل اللحنية التي تقارب ألحان أغنية وردة”بتونس بيك”على إيقاع البلدي المفتوح.

مدرسة خاصة
وكان للكبير ملحم بركات دور فعلي بالموسيقا العربية إذ حمل الرسالة بجدارة وآمن بإمكاناته الصوتية واللحنية فخرج من عباءة فيروز وكوّن مدرسة خاصة به، وأضاف إلى الغناء العربي نمطاً غنائياً جديداً، فتمكنه من المقامات الشرقية جعله يحافظ على اللحن الشرقي بشكل كامل كما وظّف طبقات صوته بإبداع لاسيما بالموال، فعرض فيديو لأغنية”ما في ورد بيطلب مي” وعلق الباحث على اللحن الرائع المبني على ثلاث جمل موسيقية فقط إلا أنه يتسرب إلى الروح.
ومن تونس حمل الرسالة لطفي بوشناق الذي قدم للموسيقا العربية ألحاناً شجية وصوتاً قوياً متوقفاً عند موال”مولاي أجفاني النوم”.
وتطرق الباحث باشا إلى المطربين اللذين استطاعا الاستمرار مع جيل الشباب وليد توفيق وراغب علامة، ومن منهما حافظ أكثر على الموسيقا الشرقية وحمل الرسالة، فبّين بأن وليد توفيق منذ شهرته بأغنية”آه من عيون بهية” حافظ على الموسيقا الشرقية وعلى نقاء صوته حتى الآن رغم اقترابه من السبعين، ولم يُحدث خللاً بالموسيقا الشرقية، متوقفاً عند الأغنية الأكثر شهرة”على رمش عنيه” التي لحنها محمد الموجي واتسمت بتوزيع جميل لاسيما الأكورديون.
والمحطة الأخيرة كانت مع راغب علامة والانتقال الكبير من تجربته بالبدايات مع “حلوة يا أم الخال” إلى الإبهار البصري والتفوق الكبير بالإخراج وتوظيف أحدث تقنيات الصورة في فيديو “إللي باعنا” فعقب الباحث على هذه التجربة التي لاتمت بصلة إلى ماضيه وعلى دخول مصطلحات ومفردات جديدة على مجتمعنا “إللي باعنا خسر دلعنا، يروح حبيب يجي حبايب” مما يشير إلى تطور تجربته من حيث الإخراج والكلمة دون المساس بالموسيقا التي بقيت رائعة.
وأنهى الباحث محاضرته بأن الموسيقا الشرقية رغم كل الأحداث العاصفة مازالت تحافظ على بريقها.
ملده شويكاني