دراساتصحيفة البعث

الصين في العدسات الأيديولوجية الغربية

علي اليوسف

لم يستطع الغرب فهم الصين حتى الآن، لأن المجتمعات الغربية لا تزال تعيش في عالم أبيض وأسود وهمي مؤطر لها من خلال برامج وسائل الإعلام، لذلك نرى المجتمعات الغربية غير قادرة في الغالب على الهروب من تلقينهم العقائدي. هذا التلقين الاجتماعي صحيح بالنسبة لجميع المجتمعات، لكن الغرب، على عكس الغالبية العظمى من سكان العالم، ينظر إلى كل شيء تقريباً عن الأمم والشعوب الأخرى من خلال سلسلة من العدسات الإيديولوجية السياسية الدينية.
هذه الأيديولوجيات هي الرأسمالية، الديمقراطية، الاستعمار، العسكرة، تفوق البيض، الداروينية، الصهيونية، وهذه القوى هي التي تتآمر لتلويث حقائق الصين للقضاء على أي احتمال لفهم حقيقي لها، وفي الوقت نفسه تلغي أي حاجة حقيقية للقيام بذلك. وعلى هذا الأساس مازال الرجل الأبيض، الغرب الصهيوني، بما في ذلك اليابان، ينظر إلى العالم على أنه متروبول، بينما العالم غير الأبيض الذي تسكنه كائنات شريرة يجب أن يُستغل بالقوة الاقتصادية أو بالقوة العسكرية، ويجب أن تُستخدم موارده.
يبدو أن كل شخص تقريباً خارج الصين يقرأ من السيناريو نفسه، لأن وسائل الإعلام الغربية سيئة السمعة دأبت على تقريع الصين، صحيح أن هناك المئات من المنشورات والمواقع التي تحمل أسماء كـ China Labor Bulletin، وChina Economic Review، وChina Auto News، وChina، إلا أنها ليست صينية، بل هي مصادر إعلامية أنشأها الغربيون بهدف إساءة تفسير الحقائق والأساسيات في الصين وتشويهها. إضافة إلى ذلك هناك إحصائيات منتجة من الغرب حول كل ما يتعلق بالصين، من معاملات GINI إلى الدين المصرفي، ومن الناتج المحلي الإجمالي إلى الدخل القومي ومستوى المعيشة، ومن التعليم إلى الرعاية الصحية إلى طول العمر ووفيات الرضع، وكل ذلك. وحتى عندما يتمّ الاعتماد على الأرقام من مصادر حكومية صينية رسمية، فإن الغرب يقوم بتشويهها لإثبات عكس الواقع. هناك المئات، وربما الآلاف، من الكتب عن الصين، معظمها كُتبت من قبل هؤلاء الأشخاص أنفسهم الذين يشاهدون الصين من خلال تلك العدسات الأيديولوجية ذاتها، وبالتالي فهي في الغالب أعمال خيالية تاريخية، وكثير منها مستهجن.
وهذا يقود إلى أن فكرة التفوق المتأصلة، التفوق الأبيض في الواقع ، تشكل عقبة رئيسية أمام الفهم حتى لحسن النيّة. عندما يسافر الصينيون إلى أرض أجنبية ويشاهدون ثقافة أجنبية، فإنهم يعتقدون “أنا مختلف”. عندما يواجه الأمريكيون (والكنديون والبريطانيون والأستراليون) ثقافة أجنبية، فإنهم يعتقدون “أنا أفضل”.
الأمريكيون بشكل خاص، والناطقون بالإنكليزية بشكل عام، لا يحترمون أي ثقافة أخرى ولا يرون أي قيمة لها، معتقدين سراً أن العالم كله يريد أن يكون مثلهم، وحتى دعواتهم إلى الحماية الثقافية ليست إلا ذريعة لتجنّب ما لا مفر منه، وهو أن تصبح دول العالم غير الناطقة بالانكليزية نسخاً مستنسخة عن أمريكا. في هذا السياق المشترك والمعقد، يحاول الغربيون المخلصون فهم الصين، وهي مهمّة صعبة للغاية في هذه الظروف. في مقابل ذلك، إن الصينيين في الغالب لا ينظرون إلى الأحداث الخارجية من خلال عدسة مشوهة، بينما الغربيون مغرمون بتصوير الصينيين على أنهم مغسولو الأدمغة، ولكن ما تظهره الوقائع أن الصينيين هم الأقل غسلاً للمخ من بين جميع الشعوب، بينما الأمريكيون هم أولاد الملصقات في هذا الصدد. وكمثال على ذلك، تقول سياسية أمريكية رفيعة المستوى في مقابلة: إن الصينيين بحاجة إلى تخليص أنفسهم مما وصفته “بالخجل وفقدان الثقة”، ورداً عليها قال الكاتب لاري رومانوف الذي عاش في الصين 15 عاماً: “في الحقيقة لقد كان خارج حدود فهمها أن تدرك أن ما كانت تراه ليس خجلاً ولا انعداماً للثقة، بل التواضع، وهي واحدة من أجمل خصائص الشعب الصيني”. كما كتبت نوح ويبستر: “التواضع ناتج عن نقاء العقل”، علاوة على أن “التواضع غير المتأثر هو أحلى سحر للتميز الأنثوي، أغنى جوهرة في إكليل شرفهم”. غالباً ما يتمّ إغراء الغربيين بالموافقة على التقييم السياسي المذكور أعلاه، لأن الصينيين نادراً ما يتفاعلون أو يستجيبون لهذه الاستفزازات المفتوحة. ومع ذلك، فإن عدم الاستجابة يكون في أغلب الأحيان ببساطة لأن الصينيين متواضعون ومهذبون للغاية، لا يستطيعون إخبارك بما يفكرون فيه. كما أن الصينيين لا يفتقرون إلى الثقة مقارنة بأي حضارة أخرى ، وهم لا يحترمون النسخة الأمريكية لأنهم يرون أنها غطرسة ووقاحة وعدم احترام.