دراساتصحيفة البعث

حملة ماكرون الصليبية

ترجمة: عائدة أسعد
عن الإيكونوميست 21/11/2019
منذ عشرين عاماً سخر جورج روبرتسون رئيس الناتو من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى افتقاره للأسلحة واهتمامه بالمخطّطات التنظيمية المعقّدة. وفي مقابلة مع الايكونوميست نُشرت في 7 تشرين الثاني الحالي بعنوان “هل تستغني أوروبا عن الولايات المتحدة” قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالعزف على الوتر نفسه قائلاً: “إن الناتو يعاني من موت سريري وربما تختفي أمريكا في الدفاع عنه في الأزمات”. منذ ذلك الحين احتدم النقاش حول ما يجب أن تفعله أوروبا لنفسها، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الناتو في القطاعين العام والخاص.
لاقت حملة ماكرون الصليبية لتعزيز قوى أوروبا بعض الدعم، ففي اليوم نفسه ألقت أنجريت كرامب كارينباور وزيرة الدفاع الألمانية وخليفة أنجيلا ميركل في رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا خطاباً قالت فيه: “إن الاستعداد والقدرة يتضاءلان في الولايات المتحدة ويمكن أن تكون أوروبا قوية إذا أردنا أن تكون وإذا أزلنا العقبات من طريقنا”. وقال أورسولا فون دير لين الرئيس المنتخب للمفوضية الأوروبية ووزير الدفاع الألماني الأسبق: “نريد خطوات جريئة في السنوات الخمس المقبلة نحو اتحاد دفاع أوروبي حقيقي”. وتحقيقاً لهذه الغاية سيتمّ تعيين تيري بريتون المفوض الفرنسي الجديد للسوق الموحدة كرئيس مزدوج لصناعة الدفاع والفضاء، وسيترأس صندوق الدفاع الأوروبي الذي سيخصّص 13 مليار يورو على مدى سبع سنوات لتعزيز البحوث وتوحيد صناعة الدفاع المجزأة في القارة.
وجاء ذلك بعد إطلاق مبادرات عدة على مدى السنوات القليلة الماضية، ومنها مخطط التعاون الدائم (PESCO) في عام 2017 والذي يتضمن نحو أربعة عشر مشروعاً يمتد عبر المنطقة المشهورة Eurodrone و(شبكة المراقبة الفضائية).
وفي عام 2018 قاد ماكرون مبادرة التدخل الأوروبي (E2I) وهو نادٍ يضم 14 دولة، البعض منها من خارج حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والتي تخطّط لإستراتيجية مشتركة للأزمات المستقبلية.
يتفق الأوروبيون على السيادة في المناطق التي تحرسها الدول بنوع من الغيرية، ففي 8 تشرين الثاني قرّر الاتحاد الأوروبي وضع حرس الحدود الأوروبي وخفر السواحل على تلك المناطق لتشكيل فرقة دائمة من 10000 جندي بدلاً من 1300 وزيادة بنسبة 26٪ في التمويل العام المقبل ليصبح 421 مليون يورو.
ومع ذلك هناك ضعف في الإيمان بقدرة الدفاع الأوروبي، إذ يعتقد الأوروبيون أن العواصف قادمة ويدركون أنهم يجب أن يكونوا على أتم الاستعداد لها، وذلك كان الهدف من تدخل ماكرون لضخ شعور الإلحاح.
في كلمتها في 7 تشرين الثاني كررت السيدة كرامب كارينباور كلمات المجاملة الفرنسية الألمانية، ولكن في 17 الشهر نفسه تحدثت بمزيد من الصراحة قائلة: “إن الهدف تعزيز قدرة أوروبا على التحرك لدعم الناتو، وأن الفرنسيين يسعون إلى تعاون أوروبي قوي يحلّ محل الناتو، وسواء أكان ذلك صحيحاً أم لا، فهو يعكس عدم الثقة في النوايا الفرنسية، وأن ألمانيا تريد أوروبا أقوى تعمل من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي”.
وبتشكيك السيد ماكرون فيما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيحترم المادة 5 -الوعد بأن الهجوم على أحد أعضاء الناتو يعدّ بمثابة هجوم على الجميع- أثار الخوف الشائع في مراكز الفكر وفي جميع أنحاء أوروبا، لكن الشك في معظم البلدان لم ينزلق نحو الحتمية. ففي استطلاع للرأي أجري عام 2018 قالت غالبية الدول الأوروبية التسع التي شملها الاستطلاع إن أمريكا ستساعد الأوروبيين إذا تعرضوا للهجوم، بينما يدرك الألمان وأولئك الذين يعيشون بالقرب من روسيا مثل بولندا مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه ترامب بحلف الناتو إذا استفزه الأوروبيون.
إن الحديث عن حلف شمال الأطلسي دون وجود شبكة أمان قائمة أمر مهم. وعلى الرغم من وجود جيش أوروبي فإن المخططات والإنفاق الحاليين للقارة لن يسدّا -وليس المقصود به- سد فجوة بحجم أمريكا، وخطاب كرامب كارينباور كان مليئاً بالتوجيهات لألمانيا لبذل المزيد من الجهد، لكن إجابتها عن: متى ستحقّق ألمانيا هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، كانت مخيبةً للآمال.
لقد انخفضت حصة الإنفاق الدفاعي الأوروبي المكرس للعلم والتكنولوجيا إلى أكثر من الثلث منذ عام 2016، ورغبة ماكرون في التحرك بسرعة مبنية على الخوف من انهيار الناتو عاجلاً وليس آجلاً، وزملاؤه قلقون من أن الضغط على زر الذعر قد يعجل هذا الانهيار ويوسّع الفجوات في أوروبا الخاصة واستعداء ترامب.