دراساتصحيفة البعث

ماكرون المزعج للأسرة الأوروبية

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع فالدي 23/11/2019
في 7 تشرين الثاني الجاري، وفي مقابلة مع مجلة الإيكونومست، أدلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببيان رنان حول “الموت السريري” لحلف الناتو. ولكن روح الرئيس الفرنسي المتمردة تميل إلى الثرثرة المفرغة حول التواريخ الثورية.
كشفت المناقشة حول هذا التشخيص عن السياق الأوسع لخطاب ماكرون، والذي يمثّل نسخة حديثة من تقليد السياسة الخارجية الديغولية في فرنسا. فقد سبق لشارل ديغول أن أعلن بعد أن تولى منصبه، بصوت عالٍ أن “فرنسا عادت”!، مشدداً على عزمه توجيه البلاد نحو صنع سياسات أكثر استقلالية واستباقية. كان تحقيق الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي هو الشرط الأساسي لهذه “العودة”. لذلك يمكن تفسير هذه الاستقلالية بطرق مختلفة، لكن وفقاً لباريس، يرتبط ذلك بتخفيف اعتمادها العسكري والسياسي طويل الأجل على الولايات المتحدة.
إن استياء فرنسا من مكانة التبعية في مجتمع الأطلسي، على الرغم من تعزيز هذا الاستياء اليوم من خلال الصراعات المشتعلة مع إدارة دونالد ترامب، ليس أصيلاً في السياسة الفرنسية. من خلال إخراج فرنسا من التحالف العسكري لحلف شمال الأطلسي، وضع شارل ديغول سقفاً، لكن النتائج العملية لتلك المبادرة قد تمّ تنفيذها من خلال الاتفاقات الخاصة بين فرنسا والناتو في الستينيات والسبعينيات.
بعد ذلك، في سياق النزاع اليوغوسلافي في التسعينيات، تحدث المستشار الرئاسي جاك أتالي آنذاك عن المواجهة بين “مهمتين”، ووصفت صحيفة نيويورك تايمز موقف فرنسا بأنه يتلخّص بعبارة “أنا أعارض، أنا موجود”.
في عام 2002، ووسط جدل حول توسيع الحرب على الإرهاب، أصرّ وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين على أن نهج الولايات المتحدة تجاه سياسة أمنية مشتركة هو “تبسيط مفرط”. رداً على ذلك ، أشارت مجلة ” الايكونومست” إلى أنه بالنسبة لباريس “صوت الحقيقة أكثر أهمية من أي شيء آخر”.
بعد أن لاحظنا دور إيمانويل ماكرون في الثقافة الإستراتيجية لفرنسا، علينا أن نعترف أنه مقارنة بأسلافه، وصل إلى مستوى جديد نوعياً من الشعبوية في السياسة الخارجية. ومن خلال رغبته في أن يُسمع، يصرّ الرئيس الفرنسي على التصريحات الغامضة. كما أن النشاط المتزايد في السياسة الخارجية لإيمانويل ماكرون يُقابل بلاعبين رئيسيين آخرين في الاتحاد الأوروبي في مرحلة إعادة تنظيم. وبينما تركز لندن وبرلين وبروكسل على إيجاد إجابات للتحديات الداخلية، يتمّ توفير مساحة إضافية لباريس لتولي زمام القيادة. لكن المشكلة تكمن في أن المبادرات الفرنسية ضعيفة التصميم وتفتقر إلى الإعداد دبلوماسياً، وغالباً ما تفاجئ بيانات باريس الشركاء، لكن هذا لا يزيد من فرص تنفيذها.
على العكس من ذلك، فإن مبادرات الرئيس الفرنسي تثقل كاهل القادة الآخرين بشكل متزايد، وتعتبر في نظرهم تحدياً لأسس النادي الأوروبي، إذ لا تسمح التقاليد السائدة داخل الاتحاد الأوروبي بانتقاد صريح، وخاصة من جانب عضو مؤثر مثل فرنسا. ومع ذلك، فقد أبدى شركاء باريس في معظم الأحيان صبراً محدوداً تجاه زميلهم الذي لا يهدأ، فقد أنهوا بجدٍ أكثر الجوانب بشاعة في مشاريعه. ومما يسهل ذلك عدم انتظام مفاهيمه الطموحة، وعدم اتساق بياناته، وعدم قدرته على تحويلها إلى خطط عمل مفصلة. في هذا الصدد، على سبيل المثال، تفتح فكرة باريس عن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي مجالاً واسعاً للتفسير.