أخبارصحيفة البعث

لا إسلام خاصاً ببلاد الشام أو مصر.. الإسلام هو الاعتدال والفطرة السيد لـ”البعث”: فقه الواقع يعزز الانتماء للوطن وقيمه التاريخية والحضارية

 

منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية كان واضحاً سعي القوى الغربية ممثّلة بالولايات المتحدة الأمريكية لتفتيت المجتمع ودفعه إلى الفوضى والاقتتال، فإضافة إلى الحملة الإعلامية والسياسية والاقتصادية، حاولت توظيف الإسلام كدين والمسلمين كأداة للوصول إلى الهدف المنشود، من خلال نبش الفتاوى المحرّفة والمتطرفة وزجّها في الشارع لتكون الشرارة المؤججة، ولكن المؤسسة الدينية، ممثّلة بوزارة الأوقاف، كانت واعية لهذه المحاولات الرخيصة، وسعت عبر مجموعة من الخطوات والإجراءات الحازمة إلى محاربة الفكر المتطرف وتجفيف منابعه وتطوير الخطاب الديني ومأسسته وجعله متماشياً مع تغيّرات وتطورات العصر، فكان رجال الدين في خندق واحد مع رجال الجيش العربي السوري في الذود عن حدود الوطن وخياراته الوطنية والعروبية، واليوم تعتزم المؤسسة الدينية إطلاق فقه جديد يضع على عاتقه البحث في أهم القضايا المعاصرة والمستجدة التي ليس لها حكم فقهي واضح وهي فقه الواقع، وسيتولى المجلس الفقهي المشكّل وفق قانون وزارة الأوقاف الجديد هذه المهمة.
وللحديث عن فقه الواقع التقت “البعث” وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد، وكان الحوار التالي:
< لماذا تطلق وزارة الأوقاف فقه الواقع الآن، ولماذا لم تكن هذه الخطوة في بداية الحرب الإرهابية؟.
<< هذه الخطوة الرائدة جاءت بعد سلسلة من الخطوات قامت بها المؤسسة الدينية ممثّلة بوزارة الأوقاف على مدى السنوات السابقة، وليست وليدة اللحظة، وبشكل أدق لا يمكن أن تتم هذه الخطوة إلّا بالتدرج وبعد إنجاز عدد من الأمور، أولها: إعادة تدريب وتأهيل الأئمة والخطباء في المؤسسات المعنية “مركز الشام الدولي لمكافحة التطرف”، وثانياً: تغيير المناهج الشرعية التي هي مصدر الخطاب الديني، وثالثاً وهو الأهم: العمل بالتفسير الجامع الذي أخذ بإنزال النص على الواقع، وبالتالي أصبحت لدينا الأدوات الكاملة لإطلاق فقه جديد “فقه الواقع”.
< بعضهم يقول إن وزارة الأوقاف تعمل على إيجاد إسلام على مقاسها من خلال إصدار هذا الفقه؟.
<< أولاً: من يرجع إلى تاريخ دمشق لابن عساكر ومن جاء بعده ممن أرخ للعلماء، يدرك الأثر الكبير لعلماء الشام في نشر الاعتدال والوسطية والردّ على الشبهات كالوهابية وتنظيم الإخوان المسلمين والإسلام السياسي بعمومه والفكر التكفيري، وهنا نؤكد أنه لا يوجد إسلام خاص ببلاد الشام وآخر بمصر، وآخر بالمغرب أو المشرق، كما أنه لا يوجد إسلام معتدل وآخر متطرّف كما يروّج له، بل الإسلام هو الاعتدال والفطرة، وما شذّ عن الاعتدال والفطرة شذّ عن الإسلام وليس منه.
ثانياً: فقه الواقع الذي ننوي إطلاقه يبحث في أهم القضايا المستجدة التي ليس فيها حكم فقهي واضح: “المواطنة مكافحة الإرهاب والتطرف القيم المجتمعية حرب الانترنت المستجدات العلمية”، وينطلق بداية من قواعد علم أصول الفقه، واحترام الدليل المستمد من القرآن الكريم، وهدي رسول الله، وسيرته النبوية الشريفة، لنصل إلى أحكام تحترم العقل، ولا تخرج عن ثوابت الدين، وتتمتع بالمرونة والقابلية للتطبيق، بما يحقق الخير والنفع للمجتمع والوطن، ويحصّن الفكر الديني من الانزلاق في حبائل التشدّد والدخول في متاهات التفريط.. أي لا نريد أن نلغي المذاهب وفقهها كما يحاول بعضهم أن يصوّر.. كل ما مضى محترم وله خصوصيته.
< ما هي أهمية إطلاق هذا الفقه، وبماذا سينعكس على المجتمع؟.
<< إنَّ إطلاق فقه الواقع هو حاجة ملحّة لتطوير الفكر الإسلامي المعاصر الذي يجب أن يرتقي إلى الشمول، وعدم تسطيح العقل، والعمق في فهم القرآن الكريم، وسيرة النبي الكريم حتى نستطيع إتمام الإصلاح الديني المنشود، ونواجهَ كلّ الانحرافات والإسقاطات والتصدّعات التي أدّت إلى التفرقة والتجزئة والتطرف واستثمار الدين من أعداء الوطن والأمة والدين، والأمر المهم أيضاً هو محاربة الطائفية، فالاجتهاد الموحّد من كبار العلماء يصبّ في مصلحة الإنسان والمجتمع، ويمنع المشكلات بين المذاهب، وبالتالي تنحصر القضية بين كبار العلماء، ونلغي دور الجهلة الذين يدّعون العلم من الوهابية والإخوان المسلمين، ونلغي أيضاً ما استندوا إليه من أحكام فقهية لقتل الناس، وزرع بذور الحقد بين الناس، وتخريب الدين.
< من هي الجهة التي سيقع على عاتقها إطلاق فقه الواقع؟.
<< الجهة التي ستكون مولجة بالعمل على إطلاق فقه الواقع هي المجلس العلمي الفقهي، الذي شكّل بعد إقرار قانون وزارة الأوقاف الجديد، حيث يضم المجلس كبار العلماء من جميع المذاهب الإسلامية، أي نحن أمام خطوة غير مسبوقة على صعيد تجاوز عصور الانحطاط وكل الأخاديد التي أحدثها ورسمها أعداء الأمة والوطن  عبر التاريخ لزرع بذور التطرف والانقسام المذهبي والطائفي في المجتمعات، فالمأساة التي طالما نبّهنا إليها واجتهدنا لتجاوزها منذ عدة سنوات هي اشتغال العقل الإسلامي بالهامشيات والاختلافات والجزئيات، ما أدّى إلى تعويل العامة على أمور ليست ذات بال، ونتيجة لذلك ظهرت شروخ في المجتمعات ساهمت إضافة إلى عوامل أخرى في ظهور التطرف والطائفية والعصبية للمذهبيات، وبالتالي الذهول عن مشكلات العصر والمجتمعات، ودعوة الناس بعد ذلك مع الأسف إلى إسلام يأباه أصحاب العقول الرشيدة والطبائع السليمة.
لكل هذه الأسباب وسواها أطلق المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف العمل على إعداد فقه الواقع للوصول إلى اجتهادات فقهية تكون محافظة على ثوابت الدين ومحترمة للعقل ومنسجمة مع الواقع، مرتكزاً على أسس راسخة، وهي عدم تسطيح العقل في فهم القرآن الكريم، ورابطاً بين المقاصد والشعائر، ومسقطاً النص على الواقع بأسلوب التحليل بدلاً من التلقين لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلات الناس في هذا العصر على جميع الصعد، وذلك ترسيخاً للمواطنة والحوار، وإسهاماً جديداً للنهوض بالواقع وتجاوز أخطاء الماضي، وأيضاً لمواجهة فكر أعداء الأمة الصهاينة والمتطرفين التكفيريين وأتباع الإسلام السياسي وإخوان الشياطين الذين ما لبثوا يبثون الفتن لتمزيق الأمة وتشتيت قوتها بعيداً عن أهدافها، وتأكيداً للجمع بين العقل والنقل في فهم النصوص القرآنية والسنة الشريفة فهماً يناسب الواقع وحاجات الناس المعاصرة، ويؤكد صلاحية التشريع الإسلامي لكل زمان ومكان، ولتأسيس فقه الواقع الذي يجد الحلول المناسبة لمشكلات الناس على الصعد المختلفة، ولترسيخ فقه المواطنة والحوار، ونشره في المجتمع عبر الوسائل المتنوعة ليكون عامل قوة، وليعزز الانتماء للوطن وقيمه التاريخية والحضارية، وبناء المستقبل الفكري للأمة، والاستفادة من التراث الفقهي والمخزون العلمي لعلمائنا السابقين، وتقديم الإسهامات الجديدة التي تنهض بالواقع، وتتجاوز أخطاء الماضي ومشكلاته.
< كيف تتوقعون أن يكون التعامل مع الأحكام الشرعية الصادرة باسم فقه الواقع؟.
<< الفقه تعريفاً هو الأحكام الشرعية المستمدة من أدلتها التفصيلية.. “القرآن السنة النبوية الإجماع المصادر التبعية”، وبالتالي فإن فقه الواقع هو بيان للحكم الشرعي بما يجري من مستجدات العصر، بمعنى أدق هو بيان للحكم الشرعي، ولا يعني إلزام أطياف المجتمع به، وهو مرجع لبيان الحكم الشرعي للمؤسسات الدينية. فمثلاً في القضايا النازلة “التبرع بالأعضاء البشرية الانترنت المواطنة”، المجلس العلمي الفقهي يبيّن الحكم الشرعي المتعلق بهذا الأمر من جوانبه المختلفة.
حوار: سنان حسن