رأيصحيفة البعث

جنيــــف.. والمماطلات المعهودة

 

كان متوقّعاً ما يحدث اليوم في جنيف، بل ومنتظراً حتى! فهو لن يكون، ولا يمكن أن يكون، شيئاً مختلفاً عمّا كان يحدث، طوال الأسابيع والشهور والسنوات الماضية، في سوتشي أو أستانا.. مماطلات ومشاريع تعطيل ومحاولات لقتل الوقت، ليس بانتظار تغيّرات ميدانية جزئية، أو ذات طابع تكتيكي، بل “العشم” بحدوث انقلابات ضخمة وهائلة في مجمل المواقف، فـ “الطوابير الخامسات””، المسمّاة في الأبجدية الوهابية الأطلسية العثمانية الجديدة، “معارضة سورية في الخارج”، باتت تحتاج اليوم إلى ما يشبه المعجزات، والخوارق ما فوق الطبيعية، لكي تستعيد توازنها – ولن نقول حولها وقوتها – قبل أن تمتلك أهلية الجلوس إلى مقاعد – وليس طاولة – المباحثات، بعد ما يشبه الانفضاض (العجز!؟) الجماعي عن تقديم الدعم الميداني الفعّال والمؤثر لفيالقها الإرهابية، وهو الدعم الذي طالما كانت عوّلت عليه على امتداد السنوات الماضية، قبل أن يتم، خلال الفترة القريبة الماضية، وتحت ضغط الإنجازات الميدانية اليومية التي يسجّلها الجيش العربي السوري، اختزال المشروع التدميري الذي يستهدف سورية، إلى استخراج النفط في منطقة الجزيرة، في اكتشاف ترامبي متأخر لتفاحة المخزونات السورية وثقلها في السوق العالمية، أو إلى دونكيشوتيات أردوغانية تقود، على مهل، وببطء، وبإيقاع ثابت ومنتظم، نحو صياغة النهاية المفجعة والسوداوية لـ “الزومبي” الأخير الذي قذفت به ظلاميات العصور الوسطى إلى مسرح الشرق الأوسط مع بدايات الألفية الثالثة!
“المعارضة” – التي تكاد تنكمش إلى حفنة من المرتزقة في جيش أردوغان الإخواني وبضع حثالات يعملون لحساب بعض ضباط البنتاغون والاستخبارات البريطانية – ترفض حضور اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة في جنيف، وتتهرّب من الاتفاق على “الثوابت الوطنية” التي تشكّل ألف باء أي نقاش دستوري، كما هو متعارف عليه في مختلف التقاليد السياسية والحقوقية العالمية.. هي أساساً اضطرت مرغمة للذهاب إلى المباحثات في ظل افتقاد “المشغل” الأردوغاني إلى أية خيارات أخرى بديلة، ووجودها اليوم في المدينة السويسرية محكوم بقدرة رئيس النظام التركي، الغارق في مشاكله الداخلية والخارجية، على الاستمرار بابتزاز شركائه الأساسيين في الحلف الأطلسي، واللعب على ما يخال أنه متناقضات روسية أمريكية يمكن أن تنتهي إلى التصادم المباشر. ولكن أردوغان البائس لا يجرؤ على القتال بجيش نظامي، ولا على خوض معركة بالمفاهيم التقليدية، وأقصى ما يمكن أن يقوم به هو أن يستأجر “جيشاً” من المجرمين والمنحرفين وقطاع الطرق في معركة سهلة وسريعة للفوز بالغنائم. وللحقيقة، فإن “المعارضات” السورية “مسبقة الصنع” انقرضت بالمعنى البيولوجي للكلمة، وهي لا تملك طاقة الاستمرار السياسي لأكثر من جيل “معارض” أحادي، ولا سلالة له، ومغلق على ذاته.. هي معارضة وظيفية تستخدم لمرة واحدة، ولهدف محدد وثابت بات ينتهي أخيراً عند حدود المغامرة التوسعية لشيوخ وأعيان ورأسماليي حزب العدالة والتنمية، الذين يواجهون اليوم نذر قيامة شعبية قد تستكمل مشهد الانتصار على الإرهاب في سورية بالانخراط التركي الحقيقي والجاد في مشروع البحار الخمسة.
ولكن المسألة تتجاوز حدود التريث بانتظار “إنجازات” أردوغان، لتصبح ارتهاناً عملياً لإرادته السياسية، بل وخضوعاً فظيعاً لمشيئة شخص على غاية من المزاجية والسوداوية والتقلّب والتناقض.. وعليه، فلن تكون هناك مناقشات جدية، ولن يتم التوصل إلى ثوابت أو ركائز وطنية، ولن يكون هناك التزام بأية تفاهمات بشأن برنامج العمل، ولا احترام لمدونة سلوك، أو لقواعد إجرائية، بل محاولات لتوجيه أعمال اللجنة الدستورية ونقاشاتها باتجاه مصالح وأجندات خارجية، وبالنتيجة “معارضة” تتبع في مبرر حضورها ومستقبل وجودها لتوازنات خارجة عن إرادتها.. وعن انتمائها بحكم جواز السفر أو الجنسية!
سوف تستمر المماطلة وتتواصل محاولات شراء الوقت، ولن يتمّ تسجيل أي تقدّم فعلي إلا إذا كان موقّعاً باسم الجيش العربي السوري، وباسم الوطنية السورية، في المعركة ضد الإرهاب، وفي مواجهة العمالة المتوارثة، وفي وجه الأطماع القديمة المتجددة.
بسام هاشم