تحقيقاتصحيفة البعث

“التاجر الكبير”؟!

ليس غريباً أن يتأرجح واقع “السورية للتجارة” ما بين معاني المثل القائل: “ذاب الثلج وبان المرج”، وبين مضمون “المياه تكذب الغطاس”، فواقع حالها اليوم يعكس صعوبة التحديات التي تحول دون أدائها لمهامها في ضبط الأسعار، ولجم جموحها الجنوني الذي وضع هذه المؤسسة في امتحان حقيقي لقدراتها باعتبارها ذراع الدولة الأساسي في تدخلها الإيجابي لصالح المواطن الحائر الذي تستعيد ذاكرته دائماً قصص الدفاتر التموينية، وبطاقات الزيت والسكر، وغيرها.
الجميع يعلم أن “المؤسسة السورية للتجارة” كانت ثمرة دمج ثلاث مؤسسات: الاستهلاكية، والمؤسسة العامة للخزن والتسويق، والمؤسسة العامة لتوزيع المنتجات النسيجية (سندس)، بموجب المرسوم 6 لعام 2017، وكانت الفكرة الأساسية من هذا الدمج تقوية ذراع الدولة التدخلي في الأسواق، حيث تم اعتماد طريقة عمل جديدة لـ “السورية للتجارة”، وهي عقلية التاجر، وذلك حسب ما جاء على لسان مديرها- آنذاك– من أنها “تاجر كبير في السوق”، ولكن يبدو أن الرياح جرت بعكس الاتجاه، فتحول “التاجر الكبير” إلى الخاسر الأكبر بعد أن غرقت الإدارات المتعاقبة في بحر من التحديات التي لم تسلم من الاتهامات بالفساد نتيجة ابتعادها عن هدفها الأساسي، وإدارة دفة القيادة فيها بعيداً عن الشعار العريض الذي احتضن عمل إحداث المؤسسات الاستهلاكية، وهو “تأمين السلع للمواطنين بأسعار أقل من أسعار السوق، وبجودة منافسة”، إضافة إلى دعم الفلاحين وأصحاب الصناعات السورية عبر شراء منتجاتهم وبيعها للمواطنين.
وليس من باب التقليل مما أنجزته المؤسسة، أو التشويه والإساءة لسمعتها، ولكن من باب الواقع بكل تفاصيله المدرجة في خانة الحقائق، يجوز القول: إن المؤسسة التي تم العمل لتكون أهم الركائز الاقتصادية للدولة- كونها أكبر تاجر في السوق السورية، وهي حاصل جمع ثلاث مؤسسات – تحاول إثبات ذاتها، وإعادة ترميم الثقة بينها وبين المواطن الذي وجّه لها الكثير من الانتقادات في الفترة الماضية، واتهمها بأنها أثبتت وجودها في السوق من خلال اللوغو والبصريات “الإعلانات” فقط، ونجحت في مسح المؤسسات السابقة من ذاكرته، أما اليوم فهو يلجأ إليها وكله ثقة تامة بأنها ستكون، رغم الكثير من الأخطاء، صاحبة بصمة واضحة في التدخل الإيجابي، وإيجاد الحلول المتمثّلة- الآن- بسلة غذائية قيمتها 10 آلاف ليرة سورية، ولا شك أن المأمول، أو الدور المنتظر، من “السورية للتجارة” أكبر بكثير من ذلك، ولكن ما يدور الآن في فلك الحرب الاقتصادية ولعبة الدولار يثبت أن هذه المؤسسة تستعيد حضورها، أو على أقل تقدير تبذل جهداً لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لتكون- كما كانت- الذراع الأقوى، والحاضنة الأساسية للقمة عيش المواطن السوري.

بشير فرزان