اقتصادصحيفة البعث

حتى لا تكون الليرة السورية جمرة في يد المواطن… مقترحات لإخراج الدولار من وكره والبداية من “المركزي” كونه اللاعب الأهم بسعر الصرف

 

دمشق – ميس بركات
كثرت التحليلات والتأويلات التي أطلقها أصحاب العلاقة حول ارتفاع سعر الصرف الذي جرف بطريقه جيوب معظم المواطنين، هذه التحليلات التي كانت تصبّ جميعها في إلقاء اللوم على المصرف المركزي الذي نأى بنفسه عن التدخل بشكل إيجابي، ابتعدت بشكل أو بآخر عن الحديث عن العامل النفسي في تغير سعر الصرف، حيث وجدنا في الآونة الأخيرة الكثير من التجار والمواطنين استغلوا ارتفاع سعر الصرف وبدؤوا بشراء واكتناز هذه العملة في محاولة منهم لادخارها كالذهب؛ الأمر الذي يستدعي تشكيل خلية إعلام اقتصادي بالتنسيق والتواصل مع كامل الجهات المعنية والوصائية للتصريح والنشر واللقاءات على مدار الساعة لطمأنة المواطن القابض على الجمر لكي نعزز له الثقة بنفسه وحكومته…
عدم ثقة
عوامل كثيرة تؤثر على سعر الصرف، منها الاقتصادي والاجتماعي .. ويعتبر العامل النفسي من العوامل المنسية غالباً في التحليلات الاقتصادية، رغم إجماع خبراء الاقتصاد على أنه لاعب رئيسي في ارتفاع وانخفاض سعر الدولار خاصة في الأزمات والحروب، ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن عدم تدخل المصرف المركزي السريع والجذري بسعر الصرف أوجد حالة من عدم الثقة به عند المواطنين، مشيراً إلى أن المتحكم بالسوق هم تجار العملة، كما أن عدم زيادة الرواتب لفترة طويلة أعطى الشعور بعدم وجود مال في خزينة الدولة، وهذا ما كان يؤكده المسؤولون في تصريحاتهم، ناهيكم عن عدم وجود اقتصاد فعال يغطي حاجة السوق أدى لتخوّف دائم عند التجار من ارتفاع سعر الدولار، وبالتالي رفعوا الأسعار بشكل تدريجي، في المقابل اتجه الأشخاص المستهلكون إلى استبدال العملة السورية بالدولار.

جمرة باليد
كوسا وجد أن الزيادة الأخيرة للرواتب والأجور أوجدت حالة من الارتياح عند المواطنين، لكن ما رافقها من ارتفاع جنوني بأسعار جميع السلع متزامنة مع اقتطاع كبير لهذه الزيادة من حيث التأمينات والضرائب، أدى إلى صدمة المواطن وتخوفه من رفع الأسعار أكثر، فاتجه نحو اقتناء الدولار لتصبح العملة الوطنية بمثابة الجمرة في اليد، خاصة أن المسؤولين عن سعر الصرف لم يقدموا تطمينات حقيقية، بل على العكس يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام، لكن لا ظهور لنتائج ملموسة، وهذا ما زاد عدم الثقة بالعملة الوطنية. وقدم كوسا عدة حلول لمعالجة هذا الواقع من خلال تدخل المركزي بشكل مباشر أو غير مباشر لتخفيض سعر الصرف، كذلك يمكن أن يقدم المركزي ضمانات حكومية لتسهيل استقطاب رؤوس الأموال الموجودة في لبنان وغير المُفرج عنها، وبالتالي عودتها للبلد، فنتيجة الحالة المربكة القائمة حالياً بين السوريين المودعين أموالهم لدى المصارف اللبنانية، وبين آمالهم في استردادها يمكن أن تكون مبادرة أبوية من الحكومة السورية باتجاه المصارف اللبنانية بوضع طرق أو مسالك حل ظاهرة أو مبطنة لإخراج أموال السوريين ومن يرغب من اللبنانيين، تفضي بالنتيجة إلى تحريك الوضع الاقتصادي في البلدين خاصة وقد أثبت الجهاز الائتماني السوري كفاءة عالية في أصعب الظروف، وكذلك يجب الوقوف عند مسألة ضبط السوق بسعي جدي وسريع من قبل الحكومة، وذلك بتعديل السياسة المالية وترتيب أدواتها وأولها الأداة الضريبية؛ لأنها من سيحدد مستوى الإنتاج وعوائد عوامل الإنتاج، وبالنتيجة إتاحة العودة لمن يرغب في أن ينتج، إضافة إلى أن مسألة العقارات وتجميد الأموال بالعقارات والسيارات والذهب مسألة يجب إيجاد حل لها، وإجبار أصحاب العقارات على بيعها أو استثمارها عن طريق فرض ضريبة خاصة لمن يملكون عقارات كثيرة ومجمّدة، فجميع هذه الطرق تؤدي إلى إخراج الدولار من وكره وعودته إلى وضعه الطبيعي أمام الليرة السورية، ويرى كوسا أنه عندما ينشط الاقتصاد يزداد الإنتاج وتمتلئ السوق بالسلع ويقل الاستيراد، وبالتالي هذا سيؤثر على الأسعار من جانبين؛ الأول سيخفض الطلب على الدولار نتيجة انخفاض المستوردات، وبالتالي انخفاض سعر الدولار سيؤثر على انخفاض جديد في الأسعار نتيجة استيراد مستلزمات الإنتاج بدولار منخفض، والثاني سيوفر إنتاجاً سلعياً متنوعاً، ويحقق تنافسية في السوق ستنخفض معها الأسعار.

مرحلة استثنائية
في المقابل وجد الدكتور سليمان سليمان أن ما يحدث اليوم من أشكال الحرب على سورية هو التدمير النفسي للمواطن لدفعه إلى الشارع، وإظهار الحكومة على إنها تخلت عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، وإظهارها على أنها هشة تخلت عن مسؤولياتها، هذا عدا الضخ الهائل من العوامل النفسية التي تؤثر على الشعب وعدم ثقته بالمستقبل وبدولته الذي يرافقه تسارع في وتيرة الحياة وزيادة الضغوطات التي تؤرقه، فيجد نفسه فريسة سهلة للتوتر النفسي والعصبي وتقبل الإشاعات والدعايات المغرضة المفبركة، ولمواجهة الضغوطات النفسية عند المواطن يجب التركيز على المجهود الذهني والانتقال من مرحلة الصدمة إلى المرحلة المضادة للصدمة، مع خطة مقاومة يستخدمها الخبراء الاقتصاديون بالتنسيق مع الجهات المعنية والوصائية للوصول لمرحلة الثقة والتعافي، وبالتحديد في هذه المرحلة الاستثنائية التي تحتاج لقرارات ورجال استثنائيين، تبدأ من حضور المصرف المركزي كلاعب وحيد متحكم بسعر الصرف، وهو قادر وبقوة على تثبيت سعر الصرف، وأي تحسين سيكون بشكل تدريجي ومدروس، وعدم السماح للمضاربين من نشر أخبار مضللة، والتدخل في سوق القطع عن طريق المصارف فقط وفق ضوابط محددة، وترشيد استخدام القطع الأجنبي في المكان المناسب من قبل السلطة النقدية، مع اعتماد النموذج التصنيعي ألا وهو تصنيع آلات قادرة على تصنيع وسائل الإنتاج.

جلطة اقتصادية
ويؤكد سليمان أن الواقع الاقتصادي اليوم يتطلب مواجهة صريحة وشفافة وجريئة واعترافاً بمواقع الخطأ والصواب، فإذا لم نقضِ على الأسباب والمسببات فلن نستطيع تلمس الحلول، بل سيتفشى المرض بالجسد الاقتصادي والنقدي وصولاً إلى جلطة اقتصادية لن تفلح معها كل القثطرات والأنابيب المالية والنقدية؛ لذا لا بدّ من تحويل مؤسسات التدخل الإيجابي إلى تاجر يستورد الموارد والاحتياجات الحياتية، وكذلك استخدام النقد الأجنبي حصراً لهذا الغرض لكي تستطيع الدولة القفز على العقوبات الاقتصادية المفروضة لتدعيم الوضع النقدي لتحسين القوة الشرائية لليرة السورية، وتفعيل التشاركية الحقيقية بين القطاع العام والخاص في النشاط الاقتصادي من خلال التلاحم والتنسيق عن طريق لجنة إشراف ومتابعة لكل تفصيل لخدمة الاقتصاد واستخدام السياسات المالية والاقتصادية لهذا الغرض، مع العمل لزيادة الإنتاجية وعودة الرساميل التي خرجت وهاجرت خارج البلاد، واستخدام كتلة الليرات لتعزيز منتجات وأسواق جديدة، إضافة إلى إيقاف الطلب على الدولار وتعزيز الطلب على الليرة السورية بوقف تمويل المستورات، وفتح حسابات حكومية بعملات أخرى مع الدول الحليفة، ومراقبة المصارف الخاصة التي تعيد رأس مالها إلى فروعها الخارجية خشية أن تكون غطاء لتهريب الأموال، مع إلغاء حصة شركات الصرافة من تحويلات الدولار الخارجية للمواطنين، وإعطاء المواطنين سعراً أعلى من السعر الرسمي كدعم وتشجيع لعمليات التحويل الخارجية، وبذلك نعمل على تقليص كتلة الدولار في التجارة الخارجية وتمويلها وندعم الاحتياطي النقدي، إضافة إلى تحقيق العدالة بين التجار والقضاء على الاستيراد الاحتكاري والتوزيع الاحتكاري في حلقات الوساطة التجارية لكي نستطيع ضبط السعر والتكلفة للوصول للمستهلك؛ لأن المحتكر دائماً يربط الأسعار السلعية للمواد بسعر الدولار كل يوم بيومه، وهو من يقوم برفع السعر على الليرة السورية للسلعة؛ لذلك من واجب الحكومة تفكيك وعزل حلقات الإنتاج المحلي عن الدولار، فالقيمة النقدية لليرة تنخفض كلما تراجع الإنتاج وكلما ازدادت كتلة العملة المتداولة في السوق.