أخبارصحيفة البعث

الحرب والحياة (3) الاقتصاد السوري وحرب «القيصر»!!..

 

د. مهدي دخل الله

غالباً ما يحكم الناس على اقتصادنا بمعايير تصلح في الأوضاع الطبيعية، وقد تعودوا على اقتصاد قوي ناهض، ذي بنى تحتية جيدة نسبياً، وغير مديون أو مرهون للبيوتات المالية الدولية. ومن المعروف أن الديون الخارجية تقضي عملياً على استقلال القرار الذي نتباهى به أمام غيرنا…
وهناك من الناس من هم أكثر موضوعية.. هؤلاء يتحدثون عن ظروف الحرب، ويرون أن الصعوبات الاقتصادية سببها الحرب وويلاتها، خاصة سرقة المصانع وتوقف الإنتاج في القطاعات الاستخراجية والتمويلية والطاقة والزراعة!..
وهناك من يتقدّم خطوة أخرى إلى الأمام، مؤكداً أن الأثر الاقتصادي للحرب علينا أكبر بكثير من مستوى الحروب التي حصلت في مناطق أخرى من العالم، ذلك لأن اقتصادنا صغير جداً إذا قورن باقتصادات الدول التي تحاربنا، حيث لا يمكن الحديث عن أي توازن بين قدرات الدول المعتدية وقدراتنا ..
لكن الأمرأكثر من هذا كله!..
هناك أمر جديد لم يحصل في الحروب الأخرى جميعها، وهو قانون سيزر (القيصر) الأمريكي. حرب القيصر نوع جديد من الحروب لا يدخل في عدادها ولا حتى في عداد حروب الجيل الرابع (G4W)..
لنأخذ حرب فيتنام – على سبيل المثال – أو الحرب الكورية (1950 – 1953)، صحيح أنه لم يكن هناك توازن بين المعتدي والمعتدى عليه، لكن عندها لم يكن لدى المعتدي (الولايات المتحدة) آليات لمنع الدول الأخرى من تقديم العون أو التعامل مع المعتدى عليه… والحديث هنا بالطبع عن الجانب الاقتصادي…
بالنسبة للحرب علينا الأمر يختلف، وسأضع النقاط على الحروف بصراحة..
قانون سيزر الأمريكي الأول من نوعه في التعامل مع بلد صغير معتدى عليه.. إذ إنه يخترع نمطاً جديداً من الحروب الاقتصادية. الأنماط المعروفة مثل المقاطعة والحصار وغيرها هي عدوان اقتصادي على سيادة البلد المعتدى عليه، أما قانون سيزر، فهو عدوان على سيادة دول العالم كافة…
فبحكم هذا القانون تعاقب الولايات المتحدة وحلفاؤها أي شركة تتعامل مع سورية في مجال الاقتصاد، وذلك بأن تقاطع هذه الشركة في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية، ولما كانت الشيوعية انتهت من العالم، فإن الدول الصديقة لنا تتعامل معنا اقتصادياً عبر شركات خاصة ومصالح خاصة لعدم وجود «قطاع عام» بالمعنى التقليدي هناك!..
لنفرض أن شركة مصرية أو إيرانية أو صينية أو روسية أرادت القيام بتبادل تجاري مع سورية. فستتعرض هذه الشركة لعقوبات عالمية تجعل من خسارتها على المستوى الدولي أضعافاً مضاعفة من ربحها في التجارة مع سورية.. ولا توجد قوة قانونية في روسيا أو إيران أو الصين أن تفرض على هذه الشركة قراراً لا تريده، مع كل العواطف النبيلة تجاه سورية..
قالها ترامب في الأمم المتحدة صراحة: «العالم اليوم يقوم على منطق الشركة»، وهذا صحيح للأسف.. تستطيع أي دولة أن تساعدنا عسكرياً وسياسياً (الفيتو) وبكافة الطرق المتاحة، لكن عند التعامل الاقتصادي تقف عاجزة، لأن ليس لديها وسائل ولا آليات قادرة على التنفيذ..
هي حرب من نوع جديد، ربما اسمها حرب الجيل الخامس (G5W)، وعلينا نحن السوريين – من بين كل شعوب العالم – أن نواجه، وبقدر أهل العزم تأتي العزائم!..

mahdidakhlala@gmail.com