صحيفة البعثمحليات

فصل 275 دعوى هذا العام.. وقضايا الإرهاب تطغى على محاكم الأحداث فرار متكرر من معاهد الإصلاح.. وأطفال محكومون يكلَّفون بمراقبة أقرانهم!

 

دمشق – ريم ربيع
اختلفت طبيعة الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث الجانحين في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وزادت عنفاً وتطوراً من حيث التخطيط والتنفيذ، ولم يعد الجانب الأخلاقي أو الاجتماعي أو الديني يشكل رادعاً للطفل كما كان سابقاً، فإن شكلت الحرب البيئة الأكثر خصوبة لانتشار العنف والجرائم والمخدرات بين الأطفال، يبدو أن تقصيراً واضحاً بدايةً من الأسرة وصولاً إلى المجتمع ساهم أيضاً في تزايد عدد الجانحين الذي يجب تصنيفهم ضحايا لهذا المجتمع الصانع لهم وليسوا مجرمين؛ لذلك تنطلق قوانين الأحداث الجانحين في جميع دول العالم من مبدأ الرعاية وإعادة التأهيل لتقويم السلوك وليس السجن، وهو أمر فرضه القانون السوري أيضاً، لكن شتان بين النص والتطبيق، فالواقع يشي بالكثير من الإهمال والتقصير في متابعة الحدث لا سيما ضمن معاهد الإصلاح التي يفترض أن تلتزم بتسميتها و”تصلح” سلوكه، لا أن تكون سجناً له، إذ نصت المادة 26 من قانون الأحداث الجانحين أنه على المعهد أن يوفر للمفروض عليه تدابير الرعاية والتعليم والتدريب المهني والعمل المناسب، وتقديم النصح والإرشاد اللازم ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة.

انحدار الإصلاح
القاضي فتون الدروبي رئيس محكمة جنايات الأحداث في دمشق والقنيطرة ترى أن القانون السوري من أفضل القوانين إذا طبق كما هو، إذ نص على أن يكون المعهد للإصلاح وتعليم الحدث مهناً وحرفاً وملء وقته بدل أن يتعلم جرائم جديدة ويخرج منه ناقماً على المجتمع، فبعد أن شهدت أعوام ما قبل الحرب تطوراً كبيراً في تطبيق القانون وتطوير المعاهد، انحدر الواقع اليوم إلى مستوى سيئ جداً أصبحنا معه نترحم على سنواتٍ خلت -حسب الدروبي- التي توجه اللوم والعتب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المتمسكة بإشرافها على المعاهد الإصلاحية، وترفض نقلها لوزارة العدل رغم المطالبات العديدة، فالتعاون بين الطرفين شبه معدوم ولا تجاوب تجاه المطالب.
ووفقاً لملاحظات الدروبي بعد جولات عدة إلى معهد خالد بن الوليد كان آخرها زيارتين من حوالي 3 أشهر، فالوضع سيئ جداً من ناحية التنظيم والتعامل، والفوضى تعم المكان، ولا يتم توظيف كادر كافٍ، فلا يوجد سوى مراقبين اثنين مقابل عدد هائل من الأحداث، كما يسجل حالات فرار دائمة من المعهد، وتكليف أحداث محكومين بمراقبة باقي الأطفال.! أما عن المتابعة للحالة النفسية للطفل وعلاجه فهي معدومة رغم الأحاديث الفضفاضة في ورشات العمل والجلسات المفتوحة.

تقصير
من جانب آخر يؤخذ على القضاء تقصيره في متابعة تلك المعاهد بالجولات والرقابة وفقاً لما استطلعناه من آراء، واقتصارها على زيارة كل عدة أشهر، إضافة إلى مقترحات بتعديل بعض مواد القانون، منها العقوبة بغرامة من 100-500 ليرة لولي الحدث أو الشخص الذي سلم إليه إذا أهمل واجباته القانونية، وغرامة من 100-300 ليرة على ولي الحدث إذا تبين أن جنوح الحدث ناتج عن إهماله، وهي مبالغ زهيدة جداً لا يمكن أن تشكل رادعاً، ويعترض البعض على عقوبة الحبس مع التشغيل 6-12 سنة إذا كانت الجريمة من الجنايات التي تستحق الإعدام، وهو ما يتنافى مع تركيز القانون على الإصلاح وليس السجن.

أكثر قسوة
وتبيّن الدروبي أن عدد الدعاوى زاد بنسبة 50% عما قبل، واختلفت طبيعتها من حيث الأسلوب؛ إذ ظهرت قسوة غير مسبوقة بالجرم، ومرتكب الجرم لم يعد مثل السابق؛ فأصبح القتل بدم بارد، وظهرت حالة من استسهال الجريمة، حتى التفكير والتحضير أصبح بشكل مسبق ومخطط وليس فجائياً، وبات الطفل يقتل لأجل ألف ليرة.! فضلاً عن قضايا الإرهاب التي تعادل كل ما تبقى من جرائم، فمحاكم الإرهاب لم تكن سابقاً في جنايات الأحداث، وبعد إضافتها عام 2015 أصبحت عبئاً كبيراً تحتاج مراحل وجلسات عديدة، خاصة أن معظم الدعاوى من محافظات أخرى لا سيما دير الزور، وهو أمر يرتب صعوبات وتكاليف عالية على الأهل الملزمين بحضور الجلسات إذا كان الطفل أقل من 15 عاماً، ويتسبب بإطالة أمد الفصل بالدعوى، مشيرة إلى افتتاح محكمة جنايات مؤخراً في دير الزور، وبذلك تحوّل القضايا الجديدة إلى تلك المحكمة، أما التي سبق البداية بها فتستكمل في دمشق.
وحول مدد الدعاوى التي تمتد أحياناً لأشهر عدة تؤكد الدروبي أن الفصل يعود لنوع الدعوى، فالبعض يستغرق ثلاث جلسات للفصل، فيما تضم الجنايات حقاً عاماً ومدعى عليهم وشهوداً من الطرفين؛ مما يستغرق وقتاً لأخذ جميع الآراء، وتتطلب الدعاوى المدنية وقتاً أكثر من الجزائية فهي تحتاج كشوفات، كما ترد حالات يدعي فيها الجانح الجنون، وهنا تشكل خبرة طبية ثلاثية للتأكد من حالته العقلية وقت الجرم، وتوضح الدروبي أن عقوبات قضايا الإرهاب تتراوح بين سنة لخمس سنوات، وباقي العقوبات نصف عقوبة البالغ، ويقضيها الحدث في معاهد الإصلاح إذا كان أقل من 18 سنة، وإذا تجاوز هذه السن خلال تنفيذ الحكم ينقل إلى سجن عدرا، مبيّنة أن نسبة الإناث من الجانحين لا تتجاوز 5%.
وبلغ مجمل الدعاوى خلال هذا العام 484 دعوى جنايات، فصل منها 275 دعوى، حيث تم الفصل بـ 92 دعوى إرهاب و36 دعوى مخدرات (تعاطٍ وترويج)، و98 سرقة بكل أشكالها، و13 اغتصاباً وفعلاً منافياً للحشمة، و9 جرائم قتل، و5 جرائم خطف و2 تزوير جنائي.