تحقيقاتصحيفة البعث

عندما يغيب الأب.. تزداد التحديات والمسؤوليات الأسرية وتتفاقم المشكلات النفسية

 

 

لم تستطع أم سامي تبرير سلوك ابنها السلبي ذي الخمس عشرة سنة أمام إدارة المدرسة التي لا يمضي أسبوع إلا ويتم استدعاؤها من أجل إعادة ضبط سلوكه، فعلى الرغم من اتباع الأم جميع طرق التربية القديمة والحديثة، ومحاولة حوار ابنها الشاب تارة، وحرمانه من بعض الحاجات تارة أخرى، إلا أنها وقفت عاجزة عن تربية ابنها في ظل غياب الأب لساعات طويلة خارج المنزل لتأمين مستلزمات الحياة التي لم تعد الوظيفة الصباحية تكفي لذلك، فمع ارتفاع مستوى المعيشة، والغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، بات غياب الأب عن المنزل للعمل ليل نهار، أو حتى السفر خارج البلد، هو الحل الوحيد لاستمرار حياة الأسرة، الأمر الذي فرض على الأم ممارسة دور الأم والأب معاً، وعلى الرغم من أن المرأة السورية بصورة عامة أثبتت خلال الأزمة من الجدارة، والمسؤولية، والحنان، والصبر ما يفوق قدرة الرجل في إبراز جميع المعاني الإنسانية، فكانت الأم والأب والصديق لأبنائها في غربة آبائهم، وفي غيابهم نتيجة الوفاة، واستطاعت أن تسد الهوة التي أنتجها غياب الأب عن أبنائه، مع محافظتها على وظيفتها الأساسية كأم حنون تجمع أبناءها في حضنها تحت سماء هذا الوطن، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل دور الأب الأساسي في تربية الأبناء وتوعيتهم، والوقوف إلى جانبهم في مراحل حياتهم.

تصرفات ذكورية
أفرزت الأزمة الكثير من حالات غياب الأب عن الأسرة، وتفاوتت الأسباب بين غياب قهري نتيجة استشهاده في الحرب، واضطراره للسفر إلى بلد آخر بحثاً عن دخل مرتفع يناسب المستوى المعيشي الصعب، ومنهم من لجأ للعمل الإضافي بعد العمل الصباحي، وبالتالي العمل لساعات متأخرة من الليل، وغيابهم عن أسرتهم، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين الأبناء والآباء، ومشاكل نفسية للأبناء، فقد أثبتت دراسات حديثة عدة أن الأم لا تنجح دائماً في تربية أطفالها وحدها، وخصوصاً الذكور منهم، حيث تجد صعوبة في السيطرة على تصرفاتهم، وكشفت أن الأطفال الذين يغيب آباؤهم يكونون أقل شجاعة وسلوكاً مغامراً من ذوي الأب الحاضر، كما أبدوا سلوكاً ذكورياً، واختاروا دمى ذكورية الصفات أقل من أقرانهم ذوي الأب الموجود، وبالإضافة إلى ذلك أشارت دراسات إلى أن الآثار السيئة المترتبة عن غياب الأب تؤثر في تطور أنواع أخرى من السلوك غير الاجتماعي غير الرجولي كالخشونة، أو الفظاظة في المعاملة، والانتماء إلى عصابات الأشقياء.

انحراف الأبناء
الأسرة المتوازنة هي التي تقوم على وجود شريكين حقيقيين في تكوين هذه الأسرة هما الأب والأم المسؤولان بالتساوي عن خلق أسرة متكاملة متوازنة تساهم بشكل حقيقي في بناء المجتمع، وفي حال اختفى أحد هذين العمودين الأساسيين في الأسرة سيختل التوازن وينعكس بشكل سلبي ومباشر على الأبناء، برأي الدكتورة رشا شعبان “علم اجتماع”، واعتبرت شعبان أن هجرة الأب وسفره للعمل خارج البلد أقسى من خلو المنزل منه نتيجة وفاته، فالشعور بفقدان الأب بشكل نهائي أمر يعتاد عليه الأبناء مع الوقت، لكن إحساسهم وعلمهم بأنه موجود في بلد بعيد لا يستطيعون رؤيته إلا أياماً معدودة في السنة، هو أمر يحمل بين طياته أشد أنواع القسوة، حيث يعتمد الأطفال هنا في تربيتهم على أمهاتهم اللواتي سيفتقدن أيضاً عنصر الحماية في المنزل، الأمر الذي سيحتم على الأم لاشعورياً اكتساب بعض الصفات الذكورية لحماية أبنائها، وتخسر في المقابل صفة حنان الأم، وبالتالي سينتج حتماً خلل في التوازن التربوي، وسينطبع في نفوس الأبناء نموذج الأسرة غير المكتملة، وفي معظم حالات سفر الأب للعمل خارجاً، وغيابه لسنوات عديدة، سيؤدي ذلك إلى انحراف الأبناء، خاصة إذا كان الأبناء ذكوراً، فالأب بالنسبة لهم رمز للقوة والسلطة والحماية، إلى جانب شعور الأبناء بالغربة عن والدهم حين عودته، وعدم قدرتهم على تحمّل تدخله في حياتهم التي اعتادوا عليها لسنوات عدة.
ميس بركات