اقتصادصحيفة البعث

الخصوصية السورية

 

يقع المنظرون في خطأ كبير عند تناولهم للشأن الاقتصادي السوري، وخاصة الخبراء الذين قضوا وقتاً طويلاً في الغرب..!
يتناول هؤلاء أي قرار يصدر في سورية من منظار “ليبرالي” بحت، وينشغلون بالإجابة على سؤال: هل القرار يتناسب مع اقتصاد السوق الليبرالي أم لا..؟
وبما أن قراراتنا وخاصة الاقتصادية منها لاعلاقة لها بالليبرالية ولا يهم الحكومة إن أعجبت الغرب أم لا.. فإن النتائج التي يخلص إليها خبراء ومنظرو السوق سلبية دائماً، بل يذهب بعضهم أنها تضر بالبلد..!
لا يريد أن يفهم هؤلاء أن سورية لم تخطط يوماً للاندماج بالاقتصاد الغربي الليبرالي، وبأنها نهجت منذ سبعينات القرن الماضي سياسة عنوانها “الخصوصية السورية”.
وترتكز هذه الخصوصية على أننا بلد زراعي مؤهل لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وصناعته يجب أن تكون مبرمجة لتصنيع السلع والمواد الزراعية..!.
ولأن سورية بلد يعتمد على قطاعي الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي فإن مصارفه لا تشبه أي قطاع مصرفي في الغرب فهي مسخرة لخدمة القطاع الإنتاجي بشكل رئيسي.
والأهم أن نظامنا المصرفي مستقل عن المنظومة المصرفية الغربية التي تتحكم بها وتديرها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلالها تسيطر على دول العالم..!
خذوا لبنان كمثال قريب، فقد كان الخبراء والمنظرون “يتغنّون” بتماسك نظامه المصرفي واحتياطاته الهائلة من القطع الأجنبي، بل إن تقارير وزارة الخزانة الأمريكية كانت تشيد بحكمة مصرف لبنان المركزي، وكان لها التأثير على مؤسسات دولية لمنح حاكم مصرف لبنان عدة جوائز عالمية كان آخرها العام الحالي..!
فجأة.. تغير كل شيء عندما قررت أمريكا استهداف الاقتصاد اللبناني، ولأنها تتحكم بنظامه المصرفي فقد حدث كل شيء بسرعة غير مسبوقة: انهارت الليرة اللبنانية وفقدت قيمتها بنسبة تجاوزت 55% خلال أقل من أسبوعين، ولم يعد مصرف لبنان قادراً على تمويل مستوردات البلد الأساسية من محروقات وأدوية وقمح.. إلا بصعوبة شديدة..!
وهذا طبيعي في اقتصاد ليبرالي ركيزته الريعية لا الإنتاجية، وتتباهى سلطته الحاكمة بأن لبنان بلد سياحة وخدمات لا بلد زراعة وصناعة وإنتاج.. هذه السياسة التي ورطت لبنان بدين عام يقترب بسرعة من عتبة الـ100 مليار دولار..!
ومع ذلك فإنّ المنظرين حتى الأمس القريب يجرون مقارنات “خلبية” بين الاقتصاد اللبناني كنموذج يحتذى به وبين الاقتصاد السوري الذي يعجز عن اللحاق بالليبرالية المتوحشة..!
لاشك أننا جميعاً نتذكر بألم شديد سنوات 2003 ـ 2010 التي قررت فيها الحكومة السابقة نقل الاقتصاد السوري إلى السوق الليبرالي “اللا اجتماعي”، وكانت أبرز نتائج هذه السياسة إلحاق الأذى الجسيم بقطاعي الزراعة والصناعة، وتحويل سورية من بلد مصدر إلى مستورد للقمح منذ عام 2008..!
وحسناً فعلت الحكومة الحالية خلال الأشهر الأخيرة بالعودة إلى استراتيجية “الزراعة أولاً”، وإلى استراتيجية “تصنيع بدائل المستوردات” لأنه لا يمكن لسورية إلا من خلالهما أن تعود قوية ومستقلة خلافاً لما يروج له منظرو المؤسسات المالية الغربية..!
علي عبود