اقتصادصحيفة البعث

إعادة اعتبار.. أم؟!

 

نتيجة لصعوبة تحديد هوية لاقتصادنا الوطني لأسباب عديدة.. يتكرَّس يوماً بعد آخر لدينا اقتصاد السوق أكثر فأكثر، بأشكال ومضامين وصلت مرحلة من الوضوح بإسقاطاتها المؤلمة والأشد تأثيراً على الشريحة الغالبة عدداً والمغلوبة دخلاً ومعيشياً..!
حقيقة- وللأسف- لا يمكننا التعامي عنها، خاصة أنها تتبدى في السلبي منها على حساب الإيجابي، ضمن هذا النهج الاقتصادي، الذي فرضته القوى المتحكمة (الخفية والظاهرة) بإرادة وإدارة العرض والطلب..!
هذا النوع من النهج الاقتصادي المفروض حالياً بفعل الأزمة، يعد نقيضاً لاقتصاد الدولة، لناحية الملكية والهدف والوسائل وجهاز تحقيق الأهداف، حيث يعتمد الأول على الملكية الخاصة والربح والقطاع الخاص والسوق لتسير الاقتصاد، بينما يعتمد الثاني الملكية العامة وتقليص التفاوت الطبقي والتخطيط المركزي لتسيير الاقتصاد.
ورغم أن اقتصاد السوق فيه ما فيه من الإيجابية..، لكنه في مثل هذه الظروف والحالة الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تواجهها سورية، ليس فيه حتى الحد الأدنى منها، بل نشهد تغولاً لقواه المتحكمة، بعيداً عن أي ضابط من أساسياته..!
ومع أنه نظام اقتصادي يُستخدم لإدارة الاقتصاد ومعالجة المشكلة الاقتصادية وتحقيق الأهداف المرسومة، إلا أنه عندنا على العكس من ذلك تماماً، بل إنه يعاني من إخفاقات معقدة لا يستطيع التخلص منها؛ الأمر الذي يُحتم تدخل الدولة لمعالجتها.
تدخلاً تبدى مؤخراً بتكليف رئاسة مجلس الوزراء، هيئة المنافسة ومنع الاحتكار (في إطار الجهود المستمرة لضبط الأسواق) بإجراء دراسات قطاعية للأسواق المحلية، تقوم على تحليل واقع الأصناف والسلع الأساسية الموجودة وآليات التسعير المعتمدة حالياً، ومدى ملائمة الأسعار القائمة لتكاليف الإنتاج وتحديد السلع التي تستوجب زيادة الإنتاج وإدخال أصناف جديدة لسد النقص الحاصل فيها، على التوازي مع تقديم المقترحات اللازمة لرفع مؤشرات تنافسية هذه السلع على المستويين الداخلي والخارجي، وخلق أسواق جديدة بما يساهم في تخفيض أسعارها وزيادة جودتها.
في هذا المقام نبين أن المنافسة ملازمة لاقتصاد السوق، فمتى ما كان الأول كانت الثانية، لكن المشكلة في شبه انعدام هذه المنافسة حتى باقتصاد السوق..! وهذا يعني وجود الاحتكار وبالتالي يعني ضعف الكفاءة الاقتصادية المتمثلة في تحقيق أكبر قدر من الإنتاج بأقل قدر من الموارد؛ ما يسهم في غياب التخصيص الأمثل للموارد وهدرها أخيراً، وهذا ما يزيد من حدة المشكلة الاقتصادية..!
كما نبين أن الاحتكار يسهم في تقييم المنتجات بأسعار بعيدة عن استحقاقها كون المنتجين هم الأقلية، ويستطيعون التحكم في الأسعار وفقاً لمصالحهم الخاصة وهذا ما يشوه عمل الأسواق فتخفق في التخصيص الأمثل للموارد، ثم تفاقم المشكلة الاقتصادية.
وعليه نقول: إن نجحت الهيئة ولو بمفصليتها الأساسية وهي تحقيق سيادة المنافسة بشكل كامل، أي في وجود عدد كبير من المنتجين والمشترين وحرية الدخول والخروج من وإلى السوق وتجانس (تماثل) السلع المنتجة من قبل المنتجين كماً ونوعاً وإتاحة المعلومات للمنتجين والمستهلكين بأحوال السوق..، إن نجحت فسيتحقق التخصيص الأمثل للموارد وينتفي هدر الموارد وتشوه الأسواق، بحكم تنافس المنتجين فيما بينهم لتحقيق الربح؛ ما يضطرهم إلى تخفيض تكاليف الإنتاج إلى أدنى حد ورفع كفاءة المُنتج.
نوجز فنختم بالسؤال الفيصل: هل سيُعاد فعلاً للهيئة دورها ومهامها ومسؤولياتها وسلطتها.. التي كانت سُلبت منها بفعل فاعل..؟! أو أن كل ما صدر عن مجلس الوزراء من توجيهات وموافقات شملت حتى تعديل قانونها وهيكليتها.. إلخ، كلام بكلام، القادمات من الأيام ستحكم.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com