دراساتصحيفة البعث

الهدف هو إيران

 

هيفاء علي
منذ تشرين الأول الماضي، تشهد الساحات في كل من لبنان والعراق وإيران اضطرابات متواصلة، وقعت خلالها أحداث عنف وتخريب للمنشآت والمؤسّسات الحكومية، كما سقط ضحايا من المتظاهرين في بعضها. ولعلّ العراق هو الذي عانى أكثر من غيره، حيث تشير التقارير إلى سقوط أكثر من 300 قتيل في أعمال شغب. أما في لبنان، فقد اختطفت الولايات المتحدة وأتباعها مظالم الشعب في محاولة يائسة لاستفزاز المقاومة اللبنانية. وفي إيران، اختطف الإرهابيون من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المدعومة من الولايات المتحدة الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الغاز وارتكبوا أعمالاً وحشية من خلال حرق مكاتب البنوك والمباني الحكومية. ولكن سرعان ما قامت الحكومة الإيرانية باعتقال هؤلاء الإرهابيين ومحاكمتهم وحسم المظاهرات. المراقبون الإيرانيون كانوا يتوقعون مثل هذه الأحداث بعدما هدّد السعودي بن سلمان بالتحريض على العنف وأعمال الشغب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الفوضى “الخلاقة” نفسها نشرتها واشنطن عن طريق أدواتها داخل سورية واليمن، إلا أنها مُنيت بهزيمة مدوية في سورية على أيدي الجيش العربي السوري وحلفائه، لذلك تسعى للانتقام من إيران جراء الذل الذي عانته عقب هزيمتها، بهدف كسر التحالف الذي يجمع قوى محور المقاومة. وفي اليمن، تعرّضت واشنطن للإهانة بعدما دمّرت قوات اللجان الشعبية نصف إنتاج النفط السعودي في غضون ساعات.
وعليه، فإن يد واشنطن موجودة في تلك الدول الثلاث التي تمّ استهدافها. في إيران، كانت الاحتجاجات الأولى حقيقيّة، وهي حقيقة اعترفت بها الحكومة على الفور. كان تخفيض دعم البنزين على أرخص الوقود في المنطقة من القضايا المطروحة على جدول الأعمال السياسي لإيران لسنوات، وهي قضية أصبحت أكثر إلحاحاً بعد أن غادرت واشنطن الاتفاق النووي، وفرضت العام الماضي عقوبات جديدة على إيران. كان هذا التغيير ضرورياً، حيث ستذهب الأموال التي يتمّ توفيرها إلى الفقراء والمحتاجين. وسرعان ما حوّلته وسائل الإعلام الغربية الناطقة باسم واشنطن وأتباعها إلى “احتجاجات ضد النظام”، في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن دعمها التام “للمتظاهرين”، وطلبت منهم إرسال الصور ومقاطع الفيديو حول ما سمّته “جرائم النظام”. ولأنهم لا يستطيعون تخويف إيران وتعريضها لتهديدات وشيكة بالحرب، فقد علقوا آمالهم على التخريب والهجمات الداخلية.
في لبنان، كشفت واشنطن عن نفسها وامتثلت لأعمال الشغب عندما أعلن السفير الأمريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان أن مظاهرات وردود فعل القادة والمؤسسات اللبنانية على هذه المظاهرات تتزامن لحسن الحظ مع مصالح الولايات المتحدة، قائلاً أينما كانت واشنطن “تدعم” المظاهرات وأعمال الشغب. ومع ذلك، الاحتجاجات في لبنان أكثر تعقيداً من الاحتجاجات الواضحة في إيران والعراق.
والهدف ليس رؤية حزب الله يهزم بالاشتباكات الأولية وإنما حرمانه من شرعيته ودفع ثمنها باهظاً بسبب انتصاراته “التي لا تغتفر” في سورية والعراق ودعمه للمقاومة في فلسطين واليمن.
تمكّنت العناصر الطائفية والتدخل الأجنبي من صرف الانتباه عن المطالب الوطنية الحقيقية التي يطالب بها اللبنانيون منذ عقود، وهذا ليس مفاجئاً لأن لبنان منبر تتواجد فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعوديون بقوة، ونشطة ضد محور المقاومة.
أما في العراق، فقد استمر المحور الصهيوني في الموضوع نفسه. ومن منظور جيوسياسي: الاحتجاجات في لبنان والعراق تمثّل تمرداً إقليمياً ضد النفوذ الإيراني، حيث أمر الأمريكيون والسعوديون هؤلاء البلطجية الذي تسلّلوا وسط المتظاهرين واحتموا بهم بالهجوم على القنصليات الإيرانية في النجف وكربلاء انتقاماً من إيران. فمن الذي عاقب العراق وقتل نصف مليون طفل عراقي؟ ومن الذي غزا العراق وأذلّ البلد واحتله لمدة 8 سنوات وسرق موارده؟ من الذي ألقى اليورانيوم المنضب على المدن العراقية ولا يزال يتسبّب بولادة أطفال مشوهين حتى يومنا هذا؟ من الذي أرسل إرهابيي “داعش” إلى العراق؟ ومن الذي تدخل فوراً لإنقاذ العراق عندما كانت واشنطن على أبواب بغداد في صيف 2014؟. هدفهم واضح وهو تدمير العلاقة التاريخية بين العراق وإيران ودول العالم الحرة من السطوة الأمريكية.
الاتجاه الواضح الذي لوحظ في كلّ من لبنان والعراق هو أن هذه المؤامرة تستهدف الجمهورية الإسلامية، لأن إيران هزمت المجتمع الدولي عندما ساعدت ودعمت الدولة السورية لمواجهة الحرب الشرسة التي تتعرّض لها منذ أكثر من ثمانية أعوام، تماماً كما تدعم بشكل فعّال المقاومة في فلسطين ولبنان، ودعمت العراق ومنعت الإرهاب “الداعشي” من السيطرة الكاملة على البلاد. كما دعمت إيران المقاومة اليمنية في مواجهة العدوان السعودي الشرس.. هذا الدعم خلق العديد من الأعداء لإيران، وكلهم مصمّمون على الانتقام لسنوات من الذل والفشل. لذلك هذا هو الوقت الأكثر أهميةً لمحور المقاومة ليبقى على قيد الحياة ويتغلّب على هذه المؤامرة.