دراساتصحيفة البعث

التحالف العسكري الغربي تتنازعه استراتيجيات متنافسة

إعداد: هناء شروف

“حدث أقل من كونه قمة”.. هكذا وصف المتحدث باسم حلف شمال الأطلسي الاجتماع الذي عُقد لدول الناتو في لندن. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا  هذا التحفظ؟ فالحلف العسكري يعتبر الأكثر نجاحاً في التاريخ.

تأسّس حلف الناتو عام 1949 لضمان الأمن الجماعي لأعضائه، رابطاً أمن الولايات المتحدة الأمريكية بأمن حلفائها الأوروبيين في مواجهة الاتحاد السوفييتي. لقد شهد الحلف انهيار الشيوعية، وهزيمة الكتلة السوفييتية دون إطلاق رصاصة واحدة. كما شارك في  الحرب في البلقان خلال تسعينيات القرن الماضي، وشارك بعد ذلك في مسار جديد يُدعى عمليات “خارج النطاق”، ومنها العمليات التي يقوم بها الحلف خارج حدود دوله الأعضاء في أفغانستان. وفي السنوات الماضية وضع الحلف برنامجاً للتوسّع بما يقارب ضعف قوامه الحالي والذي يبلغ 29 عضواً، إضافة إلى دولة شمال مقدونيا التي ستنضم قريباً.

لم تثمر إستراتيجية  الحلف في جعله قوياً، وهو اليوم مع أعضائه الثلاثين قد خسر تقريباً نصف القوة التي كانت لديه عندما كان عدد أعضائه نصف ما هو عليه الآن. إن الخلافات بين بعض قادة الحلف عميقة للغاية، حتى أن محاولة اتخاذ قرار أو إصدار بيان مشترك قد تُنذر بتعميق تلك الخلافات. فكلما قلّ الوقت الذي يمضيه زعماء الحلف مع بعضهم البعض، قلّت فرص المهاترات الهدامة التي قد تزعزع التعاون في الحلف بصورة أكبر وتزيد الخصومة بين أعضائه، فالناتو اليوم في أزمة على الرغم من حشده للكثير من الإمكانيات.

تجنباً لانتقادات الرئيس الأمريكي ترامب ولعدم دخول صدام معه، أعلن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ أن أغلب الدول الأعضاء قد وافقت على زيادة حجم مشاركتها في ميزانية الحلف. وأضاف: إن رومانيا وبلغاريا ضمن الدول التي وافقت على زيادة مشاركتها في الميزانية لتصل إلى الهدف الذي حدّدته الدول الأعضاء عام 2014 حيث اتفقوا على أن تصل نسبة مساهمة كل دولة إلى 2 في المئة من حجم ناتجها الاقتصادي المحلي بحلول العام 2024، وأكد “أن ترامب يواصل ضغوطه على الدول الأعضاء بعدما انتقد ما وصفه بتعرض بلاده للاستغلال، حيث تدفع الكثير من المال ضمن ميزانية الحلف مقارنة بدول أوروبا التي تأخذ حماية الولايات المتحدة على أنها شيء مسلّم به”.

واهتمت  “القمة” التي عُقدت في الذكرى السبعين لتأسيس الحلف بإظهار التضامن والعزم وخط طريق نحو المستقبل. وأظهرت أكثر من إشارة للمشكلات التي تحيط بالناتو، وأعلنت بافتخار عن الزيادة بشأن الإنفاق العسكري والتي تظهر أن ميزانيات الدفاع للحلفاء الأوروبيين ستزيد في الأعوام المقبلة. كما وافق على تركيبة جديدة لتوزيع تكاليف الميزانية المركزية للحلف على أعضائه، وهي الميزانية التي تغطي تكاليف المقر الرئيسي في بروكسل والبرامج الأخرى التي يمولها الحلف. وفي هذه الحالة، ستدفع الولايات المتحدة أقل مما كانت ملزمة به، في حين أن ألمانيا التي لا يتناسب حجم مواردها مع موازنتها الدفاعية ستدفع أكثر مما كانت تدفع في السابق.

كلّ هذه الجهود تأتي في إطار تهدئة الرئيس ترامب من أجل تجنّب خطاباته الإسهابية الحادة والمحرجة ضد شركائه في الناتو. يبدو أنه يتعامل مع الناتو بنهج تجاري، فهو يميل إلى إبرام الصفقات ولا يبدو عليه الاقتناع أن بقاء الناتو قوياً هو مصلحة لواشنطن كما هي مصلحة للأوروبيين.

إن التركيز على قضية التمويل يحجب مشكلات أخرى، فالإحباط يتزايد داخل أروقة الحلف، وهو ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واصفاً الناتو بأنه يعاني من “موت دماغي”. إن الحلف يحتاج من أعضائه التوقف عن الحديث حول التمويل طوال الوقت، وبذل الكثير من الوقت للتعامل مع المشكلات الإستراتيجية العميقة التي يعاني منها، وعلى رأس هذه المشكلات الأحادية الأمريكية والتركية في التصرف بعيداً عن الرجوع للحلف، و كثير من القرارات التي اتخذت -لاسيما توسع  الحلف ليضم مزيداً من الأعضاء- التي كان الدافع وراءها السياسة أكثر من الإستراتيجية.

الحلف اليوم أمام مفترق طرق، فقد تغيّر العالم بشكل جذري منذ نشأة الناتو، كما أننا في عالم مختلف عن عالم التسعينيات الذي حصد فيه الناتو ثمرة كفاحه طوال الحرب الباردة، وقادة الناتو يجب أن يتعاملوا مجدداً مع الاستراتيجيات والأفكار الكبرى التي تناقش مستقبل هذا الحلف و أولوياته في عالم القرن الحادي والعشرين.