ثقافةصحيفة البعث

“رنين الظلال” بين التأملات والصوفية

“لاتنحرف، كُرمى لزاوية انحسار الضوء، فالرؤيا مجاز العارفين، وكنّ المدار على المصب على… وموطن الماء الملّون… والرنين”.

“رنين الظلال” المجموعة الشعرية للشاعر الطبيب محمد سعيد العتيق الصادرة عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب- والتي حفلت بنصوص تنحو نحو الروح والضوء “شحيح الضوء” والمفارق والدروب والمسافات وإذا المفارق والدروب رهينة إلى تساؤلات من أنت أخبرنا الحقيقة. وتبدو التشابيه الجميلة الممتزجة بالطبيعة “خفيفاً كنتفة ثلج مع الريح، أمشي، كعصفور يغني، كزورق طفل، يحاك من الورد والخرز الغافي على البحر”، وجمالية الوصف “الصخر العتيق”، هذه المجموعة كانت محور ندوة مع قراءات شعرية للشاعر في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وقد قدم د.عبد الكريم حسين إضاءة نقدية عنها بإدارة الشاعر خليفة عموري الذي تحدث عن الشاعر الدؤوب على مشروعه الشعري بين العمودي والتفعيلة والنثر، وأثارت المناقشة مسألة الصوفية وإشكالية تصنيف المجموعة بين الصوفية والتأملات.

وبعد قراءات متتالية للشاعر د.محمد سعيد العتيق تحدث د.عبد الكريم حسين عن رؤيته لنصوص مختلفة لشاعر عالم بالتلافيف والدموية لينطلق من قراءته للمجموعة من العنوان “رنين الظلال” الذي يربط بين قناتي السمع والبصر، فالرنين حركة والظل موات، والحركة لها صدى والأفعال الدالة على الانفعال والوجدان لها ظلها، فهناك أمر ما ورائي نجده في كل جملة من هذه المجموعة مثل “مرايا وظل، ماء وخمرا” يمتد إلى فكرة التوزيع الواهم بأن الكلام منثور، إلا أن الشاعر يقيس بوحدة المعنى والتوزيع وفق المشاعر، فكل موجة شعرية تأخذ مداها مع الموجة النفسية الانفعالية الوجدانية العاطفية، لا أن تأخذ كلمة واحدة سطراً، فكأن الكلام يتمزق إما وحدة عضوية وإما تفعيلة، قسمت القصيدة بعلاقة الوزن الحامل النصّ وصولاً إلى الطرب وهو الوزن والانفعال واللغة ويتشكل كله بلحظة واحدة عبر الموسيقا الداخلية التي تختلف بدرجة التناغم.

ويتوقف د.حسين عند فكرة الشعر التأملي المطروحة في نصوص الشاعر بمجاز فضاءات ومسافات تجعلنا نتأثر بما هو صورة أكثر مما هو خبر، ليبيّن بأن الشاعر فيلسوف يقترب من قضايا كبرى، إلا أن الصوفية شيء وكلام المتصوفين شيء آخر، ويستحضر صورة رقص المولوية على عتبة الغلاف ليذكر فيما بعد بعض مشاهد الصوفية، إلا أنه ليس صوفياً وإنما يقترب من تأمليات أبي علاء المعري ومن الشاعر أبو ماضي، وفي اللغة المتصوفة في ما بعد الحداثة رحلة في العقل وفي علم الروح بالغنائية والمخاطبة، ليتساءَل متى يكون الشعر صدى للروح من الداخل؟ ومتى يكون للتفاعل بين الشاعر ومجتمعه، وينهي قراءته بمقولة “الشاعر العظيم من أسمعك صوتك بالشعر”.

الإيمائية الصوفية

ورد الشاعر العتيق بأن للتصوف لغته الخاصة عند الأقدمين التي تختلف عن مفهوم التصوف في العصر الحديث وفق الحداثة، إذ أخذ التصوف الكثير من الحركات والتعابير الإيمائية، فالتصوف حالة من العزلة يعيشها الإنسان كما في قصيدة “جنون الجنون” حالة وجودية تسعى أكثر نحو التصوف والتفكير بالكون والسردية بالتأمل “يرتاح حرفي في غروب، وينام طيفي في سهوب الفكر”. واستحضر د.عبد الفتاح إدريس عضو الأمانة العامة بدايات التجربة الشعرية عند الشاعر العتيق، ويرى بأنه قفز قفزة كبيرة جداً، وفي مجموعته يقدم شعراً مختلفاً ينم عن رؤى مختلفة الشاعرية تغوص في آفاق الروح والنفس، شعر فلسفي ليس بجمود الفلسفة، ففلسفته لها منابع من الروح والرؤية والغوص بالكون الواسع، وقد وضع لمساته على حركة الشعر. وتساءَل الناقد أحمد هلال هل يخضع إلى مقتفى فكري معرفي يحتمل رؤى صوفية؟ ليجيب من وجهة نظره بأن هذا من قبيل التعالق بصوفية الرؤية في قصائد تتجه نحو الإشراق بالمعنى الراهن الإبداعي، فهو قيمة متبدلة الفاعلية الشعرية باتجاه الانفتاح والتعدد بأدواته. أما عن إشكالية الشعر الصوفي فهذا يحتاج إلى أكثر من دراسة لأنه لا صلاحية مطلقة لقوانين النقد.

ملده شويكاني