دراساتصحيفة البعث

“محاربة الإرهاب” لاستثمار النفط سمر سامي السمارة

بذريعة محاربة الإرهاب، كثّفت الولايات المتحدة مؤخراً، وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وقد أصبح جلياً أن حجتها هذه ليست إلا ذراً للرماد في العيون، وللتغطية على أهدافها الحقيقية المتمثلة باهتمامها بالنفط، وذلك ليس لجني الأرباح فحسب بل لاستخدامه بهدف السيطرة على العملية السياسية من خلال فرض ديكتاتوريتها العسكرية على البلاد.

على مدار الأيام القليلة الماضية، نشرت وسائل الإعلام الدولية الكثير من المقالات حول سياسة واشنطن العدوانية في سورية، مستشهدة بتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب ووزير الدفاع مارك إسبير، حول “حماية الجيش الأمريكي لحقول النفط السورية” من التهديدات بما فيهم الدولة السورية، والتي هي بطبيعة الحال المالك الحقيقي للموارد الطبيعية في سورية.

منذ سيطرة القوات الأمريكية على المناطق التي يوجد فيها النفط في سورية عام 2013، وهي لا تتوانى عن تفريغ باطن الأرض، بانتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية، وتمارس واشنطن هذه الأعمال الإجرامية، بحماية من القوات الأمريكية والشركة العسكرية الخاصة “بلاك ووتر” التي تتعاقد معها، إذ يعمل هؤلاء المرتزقة مع الجيش الأمريكي لحماية قوافل النفط السوري، الذي يتمّ نقله عبر القامشلي إلى الحدود السورية مع العراق ثم عبر معبر تل كوجر الحدودي، وبعد ذلك يُصار لبيعه كمنتج عراقي. وبحسب بعض التقارير، زادت واشنطن مؤخراً عدد مرتزقة شركة بلاك ووتر -المعروفين بقيامهم بإراقة الدماء في أنحاء كثيرة من العالم- على أراضي دير الزور الغنية بالنفط في سورية حتى وصل عددهم إلى 2500.

يمكن لأي شخص أن يلاحظ أن للشركات العسكرية الخاصة فوائد كبيرة بالنسبة لواشنطن، فإحصائيات البنتاغون حول الأرواح التي فُقدت في العمليات العسكرية لم تربكها، إذ تكسب هذه الشركات ملايين الدولارات من العقود الحكومية وتتقاسم هذا الربح مع رعاتها في واشنطن.

إلى ذلك، كانت بعض الفصائل السورية منخرطة بشكل كبير في تجارة النفط غير القانونية هذه، إذ تلقت ما يصل إلى 75٪ من تجارة النفط الأمريكية غير الشرعية، لكن بعد اجتماع في نيسان بين ممثلي البنتاغون وكبار المسؤولين من هذه الفصائل في قاعدة عسكرية أمريكية في عين عيسى، بدأ الأمريكيون يحتفظون بالحصة الأكبر من الأرباح لأنفسهم، وإعطاء المسؤولين من هذه الفصائل مبلغ 10 ملايين دولار في الشهر  مقابل “الولاء”.

في ضوء ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الأراضي التي تسيطر عليها هذه الفصائل التابعة للولايات المتحدة في دير الزور يوجد فيها من تبقى من عناصر “داعش”، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تستغل الفرصة لتنهي بقايا العصابات التكفيرية، ما يؤكد عدم اهتمام واشنطن بالقضاء على مشروع “داعش”، الذي استثمرت الكثير من الأموال والقوات للقضاء عليه بحسب ادعائها، ويظهر أيضاً أن الولايات المتحدة ليست مستعدة فقط لاستخدام المقاتلين المحليين لحماية المناطق الغنية بالنفط، لكنها على استعداد أيضاً لاستخدام من تبقى من “داعش” لهذا الهدف. وفي الوقت نفسه، لدى واشنطن الآن حجة لمواصلة التظاهر بمحاربة الإرهاب للحفاظ على نفوذها في المنطقة.

انطلاقاً من الخطب التي ألقاها الساسة الأمريكيون مؤخراً، فإن واشنطن لا تحاول حتى إخفاء حقيقة أن هدفها الرئيسي في سورية ليس مكافحة الإرهاب وتقليل حدة الصراع المسلح، إنما النفط هو ما تريده. وعليه أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن هدفها طواعية.

سورية ليست هي الدولة الوحيدة التي تستثمر فيها واشنطن، حيث يمكننا رؤية وضع مشابه في ليبيا. فمن خلال الترتيب للانقلاب وإسقاط الرئيس الليبي، تمكّنت الولايات المتحدة من الوصول إلى الموارد الطبيعية لهذا البلد. وبعد اغتيال القذافي، استغلت واشنطن انهيار الدولة الليبية بشكل أساسي واندلاع حرب أهلية في البلاد، كما تظهر رسائل هيلاري كلينتون التي كشفها موقع “ويكيليكس” أن السبب الرئيسي لإرسال القوات الأمريكية إلى ليبيا هو استغلال احتياطيات البلاد النفطية الكبيرة.

الآن، يعيش هذا البلد في ظل ازدواجية السلطة، حيث تحكم حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فايز السراج برعاية الولايات المتحدة، ويعارضها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

ولهذا تسعى الولايات المتحدة للإبقاء على الوضع غير مستقر، وتواصل ضخ النفط مستغلة الفوضى التي خلقتها، وإخفاء علاقتها السرية مع الإرهابيين المدعومين من حكومة الوفاق الوطني، ومن ضمنهم وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني “فتحي باشاغا” الذي تربطه علاقات وثيقة مع المجموعات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك “داعش، والقاعدة، وجماعة الإخوان المسلمين”، فضلاً عن قوات الردع الخاصة “رادا”، التي يقوم عناصرها بخطف واعتقال أشخاص بصورة غير قانونية. وفي العام 2006، ظهر اسمه في تقرير للأمم المتحدة بخصوص تجارة الرقيق والقتل والتعذيب والخطف. أقدم عناصر من “رادا” على اختطاف اثنين من علماء الاجتماع الروس بشكل غير قانوني من “المؤسسة الروسية لحماية القيم الوطنية”، وتمّ احتجازهما في سجن غير رسمي في مطار ميتيجا في طرابلس.

وفي العام 2014، اشترك فتحي باشاغا بصورة مباشرة في عملية إرهابية أطلق عليها اسم “فجر ليبيا”، والتي وصفتها الغارديان بأنها “عملية للعصابات التي يقودها المتطرفون”، مشيرة إلى أن هذه المجموعات “كانت ترقص فوق حطام الطائرات” وكان هدفها تدمير المطار. كما دعم باشاغا المتمردين من مصراتة بمساعدتهم في الهجوم على حقول النفط الليبية، التي نفذتها مع “داعش”!.

تدعم الولايات المتحدة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، على الرغم من صلاتها بالإرهابيين، وقد اعترفت 12 دولة فقط في الأمم المتحدة بهذه الحكومة في ليبيا، ما يجعلها غير شرعية. وتعود كثافة النشاط الأمريكي في ليبيا إلى رغبة البيت الأبيض في الحصول على النفط. وفي العام 2011 ساعدت واشنطن المتمردين المتطرفين في ليبيا على خلع الرئيس القذافي، الذي رفض تقاسم الموارد الليبية مع الولايات المتحدة.

بطبيعة الحال، إن الأنشطة التي تمارسها الولايات المتحدة ومرتزقتها تندرج ضمن نهب الموارد السورية والليبية، والتي تمثّل جزءاً كبيراً من الثروة الوطنية التي تخصّ هذين البلدين.