تحقيقاتصحيفة البعث

من يتبناها الأفكار البحثية الوطنية.. حلول لمشكلات وأزمات اقتصادية ومعيشية وبيئية وغياب للدعم والتنفيذ

أزمة الغاز والكهرباء التي عشناها خلال الفترة الماضية، والتي مازالت موجودة إلى الآن، تتطلب التفكير الجدي في أساليب وطرق جديدة لتأمين هذه المواد الأساسية في حياة المواطن اليومية، وفي مجالات مختلفة، وبشكل يخدم الاقتصاد الوطني، وخاصة في ظل السعي الدائم لتأمين الطاقة اللازمة، والبحث عن مصادر جديدة للطاقات المتجددة تدعم المصادر الرئيسة للطاقة الأولية، وذلك لمواكبة متطلبات النمو المتسارع في زيادة الطلب على الطاقة، وارتفاع مستوى المعيشة، بالإضافة إلى حاجة العمل الصناعي والزراعي الكبيرة من أجل زيادة الإنتاج، وتأمين ما تحتاجه الأسواق من منتجاتها، فما هي الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها لسد الحاجة على الطلب المتزايد على الطاقة؟ وكيف يمكن الاستفادة من المصادر القديمة المتجددة لتأمين هذه المادة، بما ينسجم مع الجهود الهادفة للحفاظ على البيئة؟ وما هي قصة استخدام الغاز الحيوي الناتج عن هضم النفايات؟.
أبحاث عديدة قدمت الكثير من الإجابات عن هذه التساؤلات من خلال الأفكار التي تضمنتها، ولكن للأسف بقيت دون أي حضور على صعيد التنفيذ والواقع لعدم احتضانها وتبنيها من أية جهة رغم أهميتها في معالجة المشكلات والتحديات التي ترهق الاقتصاد الوطني من جهة، وتشكّل عبئاً معيشياً وحياتياً في المجتمع، ومنها الأبحاث التي بحثت وقدمت أفكاراً لتأمين الطاقة البديلة، وخاصة تلك التي بحثت في استثمار الغاز الحيوي، وقد كان العديد من اللقاءات مع عدد كبير من الباحثين والمخترعين الذين قدموا لنا ملخصاً عن الأفكار التي لديهم دون أن نحدد بحثاً بعينه كما يقال، وطبعاً بقي التنفيذ ضمن دائرة العمل الفردي دون أن يتم تعميم التجربة أو تبنيها كما حصل في الكثير من دول العالم.

أفكار جديدة
عندما نقول إن بلدنا يمتلك الكثير من الإمكانيات والعقول المفكرة، فهذا الكلام لا نبالغ به، بل هو كلام مثبت بآلاف الأمثلة التي تضع أفكارها واختراعاتها في خدمة بلدها، وخاصة تلك التي تقوي من مناعة بيئتنا، وتؤسس لمستقبل متقدم، ويتسم ببيئة نظيفة، ومصادر متجددة للطاقة، فالعقول الوطنية تحاول محاربة التلوث البيئي من خلال تقديم الأفكار الخاصة بالاستفادة من الغاز الحيوي في النفايات كمصدر للطاقة الذي ينتج عن هضم المواد العضوية الداخلة في تركيب النفايات البلدية الصلبة، ويحتوي على غاز الميتان الذي تبلغ نسبته (60% )، ويمكن الحصول على الغاز الحيوي من تحلل النفايات الغنية بالمادة العضوية في مكبات النفايات ومطامرها.

مصادر الطاقة
المطلوب الآن من جميع دول العالم أن تخفض انبعاث غازات الدفيئة، إضافة إلى أن ارتفاع أسعار مشتقات النفط أصبح حافزاً لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري، وتطوير استخدام الطاقات المتجددة، ومنها طاقة الغاز الحيوي، وبذلك أضحت النفايات الصلبة مصدراً للطاقة إذا ما تمت الاستفادة من الغاز الحيوي الذي ينتج من هضم المواد العضوية الداخلة في تركيب النفايات التي تحتوي على غاز الميتان بنسبة تبلغ بين 50-70% من مجمل الغاز الحيوي، ويتمتع غاز الميتان بقيمة حرارية قيمتها 6500 كيلو كلوري/م3.
ولا تقل نسبة المواد العضوية الداخلة في تركيب النفايات المنزلية في سورية عن 57% من الكتلة الإجمالية للنفايات، حيث يمكن الاستفادة من الكميات الهائلة من النفايات المنزلية الصلبة في إنتاج الغاز الحيوي من خلال عملية الهضم اللاهوائي، والاستفادة من غاز الميتان الناتج في إنتاج الطاقة، بالإضافة إلى مواد صلبة محسنة للتربة يستفاد منها في رفع أداء الترب الفقيرة بالمواد العضوية، كما تنتج عن النفايات المنزلية مواد قابلة للتدوير مثل الخشب، والحديد، والزجاج، والبلاستيك، والورق، والمعادن كالألمنيوم والحديد، بحيث يتم استرجاعها وإعادة تدويرها لتكون مواد أولية تدخل في الصناعة مرة أخرى، بما يحقق وفراً اقتصادياً في المواد الأولية، ويساعد في تحقيق هدف كبير هو رفد السوق بالمنتجات.
ماذا يخرج من منازلنا؟
تضم النفايات المنزلية ثلاثة أصناف، منها نفايات عضوية (بقايا الأطعمة، القشور، نفايات المسالخ)، ونفايات غير خطرة قابلة لإعادة التدوير يمكن إعادة تكرير جزء منها، ونفايات ضارة (بطاريات، لمبات الإضاءة، موازين الحرارة، الترمومترات، الأدوية، المحاليل، مواد التنظيف، الزيوت القديمة، المستهلكة)، وهذه النفايات تنتج بانتظام من المنازل خالية من نفايات المهن، وهي من الناحية العملية تحتوي الجزء الرئيسي للنفايات الناجمة عن الشركات الصغيرة، والمحلات، وجميع المؤسسات (المدارس، المستشفيات، الإدارات).

آليات البحث
وعن كيفية استخلاص الغاز الحيوي يبيّن أحد الأبحاث أن المطامر والمكبات تعتبر أكبر مصدر لغاز الميتان، وقد زادت مستوياته عن المستوى العالمي، وقدرت نسب الغاز المنبعثة من المطامر والمكبات المكشوفة بحوالي 6% من مجموع الميتان المنبعث عالمياً، حيث ينبعث الغاز من المطمر إلى الهواء، ويتفاوت بالكمية والنوعية على مر الزمن، كما أن تولد الغاز في المطمر يبلغ أقصاه بعد وقت قصير من إغلاق الموقع، ويصل إلى كميات غير هامة بعد 25 إلى 30 سنة، ولا شك أن المكونات الرئيسية لغاز المطمر هي غاز الميتان (CH4)، وغاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، وهناك أيضاً كميات قليلة من غازات أخرى، إضافة إلى 100 نوع مختلف من المركبات المتطايرة تم تحديدها كالبنزين، وكلوريد الفينيل.

حسابات بيئية
معادلة إنتاج الغاز من النفايات تشير إلى أن طناً واحداً من النفايات البلدية الصلبة ينتج كمية من غاز المطمر تصل إلى حوالي 375 متراً مكعباً، مع قيمة حرارية تصل لغاية 20 ميغا-جول لكل م3، وقد أثبتت المطامر أنها ناجحة جزئياً فقط نظراً إلى أن 60% من غاز الميتان المتولد يفلت بالتسرب (الارتشاح leakage).
ومن ناحية أخرى يعتبر نظام الجمع تحدياً، حتى إن أكثر الأنظمة كفاءة في استخلاص الغاز المنبعث من المطمر لا يمكنها جمع أكثر من 70 بالمئة، وكمبدأ عام يمكن لمطمر واحد يحتوي على مليون طن من نفايات البلدية الصلبة المطروحة أن ينتج على مر عشر سنوات ما ذروته 700 م3 في الساعة من الميتان.

ميزات نوعية
وتبيّن الأبحاث أن الغاز الحيوي هو الغاز الناتج عن التحلل الحيوي لمادة عضوية عند انعدام الأكسجين، وينشأ من مادة عضوية، وهو نوع من الوقود الحيوي، وينتج عن طريق الهضم اللاهوائي أو التخمّر لمواد قابلة للتحلل الحيوي مثل: الكتل الحيوية، السماد، مياه المجاري، النفايات الصلبة، النفايات الخضراء، النباتات ومحاصيل الطاقة، كما ينتج بفعل التحلل اللاهوائي لروث الأبقار بفعل البكتيريا، وتقدر كمية الغاز الحيوي الناتج من روث بقرة واحدة يومياً بحوالي 1200 ليتر، ويستخدم الغاز الحيوي الناتج من روث الحيوانات لإنتاج الطاقة، وفي البيوت لأغراض الطبخ، وتسخين الماء، والإنارة، ويمتاز بأنه متجدد (لا ينضب) على عكس النفط مثلاً، ومتوفر، ورخيص، ويمكن تفككه بيولوجياً، وأقل خطورة على البيئة من الفحم أو النفط، بل على العكس من ذلك فإن استخدام مواده الأولية كمصدر للوقود الحيوي تخلص البيئة من الكثير من الملوثات.

منابع محلية
إن إنتاج الغاز الحيوي من النفايات في سورية يمكن أن يكون في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، ومطامر القمامة، وهي منابع متاحة لإنتاج الغاز الحيوي، وغاز مطامر القمامة، كما أن كمية مياه الصرف الصحي الناتجة من المدن الرئيسة في سورية تقدر بـ 1154000 متر مكعب يومياً، حيث تساهم دمشق، حلب، حمص، حماة، واللاذقية بنسبة 85% من هذه الكمية، بينما تقدر كمية النفايات على المستوى الوطني ما بين 3.6 و4.1 مليون طن سنوياً، وتقدر نسبة النفايات العضوية التي تتحلل إلى غاز الميتان في مطامر القمامة بـ 60%، حيث تطلق مطامر القمامة غاز الميتان بشكل تلقائي إلى الغلاف الجوي، ويتم حالياً تطوير عدد من المشاريع لجمع هذا الغاز، لكن الخيار الأفضل هو توليد الطاقة الكهربائية من غاز الميتان، وهناك محاولات للاستفادة من غاز المطامر إلى طاقة كهربائية في دمشق، حماة، حمص، وحلب.

خلاصة بيئية
ما يميز منتجات هذه الأبحاث أنها تحقق أهدافاً متعددة، منها ما يشكّل خطوة متقدمة في مشوار البحث عن مصادر الطاقة، ومنها ما يخدم التوجهات نحو البيئة الآمنة والنظيفة، حيث إن تطبيق التكنولوجيا الحديثة في معالجة النفايات البلدية الصلبة، وتنفيذ محطات لمعالجة النفايات والمطامر الصحية، يسهم في الاستفادة من الإصدارات الناتجة عن قطاع النفايات، والتخفيف من أثرها في ظاهرة الاحتباس الحراري، وتحويلها إلى طاقة كهربائية، بحيث تكون رديفاً لمصادر الطاقة الأولية (النفط والغاز)، ولمصادر الطاقات المتجددة الأخرى كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، فهل ستكون هناك في المستقبل القريب برامج وطنية شاملة لنشر الاستفادة من طاقة الغاز الحيوي، ولاسيما مصادر المخلفات في المناطق الريفية، ومزارع تربية الحيوانات، أم تبقى هذه الأفكار عالقة في حبرها على وريقات ترتسم عليها خرائط لمنابع الطاقة، ولكن دون استثمارها؟!.

بشير فرزان