تحقيقاتصحيفة البعث

للحصول على ترخيص لمركز طفل الأنبوب تسويفات وشروط تعجيزية.. وشبهة حول مراكز محددة تحتكر العمليات بعض أصحابها أعضاء في لجنة منح التراخيص!

بداية، تعتبر الحاجة إلى وجود مراكز إخصاب مساعد، أو كما تعرف عند غالبية الناس بـ “طفل الأنبوب”، عاطفية وأخلاقية وإنسانية تحمل في طياتها الكثير من المعاناة لدى شريحة لابأس بها من المواطنين، خاصة الفقراء منهم بسبب التكلفة الباهظة لمثل هذه العمليات، وما يزيد الأمر صعوبة ومعاناة عدم توفر مراكز حكومية، أو بالأحرى توفر بضعة مراكز لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، أغلبها “خارج الخدمة”، ويشكّل قسم طفل الأنبوب في مشفى التوليد الجامعي بدمشق، مثلاً، أحد المراكز الرئيسية لتطبيق تقنية الإخصاب المساعد في سورية، لكنه، للأسف، مغلق منذ أكثر من عشر سنوات بحجة “النقص الحاصل في أعداد الفنيين والأطباء”، وعدم قدرة إدارة المشفى على تأمين الكوادر اللازمة، على الرغم من تقدم عدد من الأطباء للتعاقد مع المشفى، وإعادة تفعيل العمل بالقسم الذي كلّف الدولة مليارات الليرات، والذي كان سيعمل في حال إعادة تفعيله على تهيئة مجموعة من الطلاب للتدرب على هذه العمليات، وهؤلاء– الطلاب- هم العامل الأهم لأنهم سيشكّلون نواة تعليمية تمكنهم من أن يكونوا أصحاب مهارة في طفل الأنبوب، وبالتالي توسيع مستوى القاعدة الطبية في الجامعة.

قرارات تنظيمية

الإخصاب المساعد تقنية طبية حديثة، مثله مثل عمليات تنظير البطن والعلاج بالأشعة وغيرها، وقد تم افتتاح أول مركز خاص للإخصاب المساعد في سورية في مدينة حلب قبل /30/ عاماً، وقد حاولت وزارة الصحة تنظيم العمل بهذه التقنية من خلال مجموعة قرارات تنظيمية هدفها تطوير الإخصاب المساعد، ووضع ضوابط له، ولكن ما أثار الاستغراب حينها هما القراران 48 / ت لعام 2011، و16 / ت لعام 2012 اللذان صدرا عن وزير صحة  سابق، وبفارق زمني لا يتجاوز الشهر، واللذان وضعا العراقيل أمام أية محاولة للحصول على أي ترخيص جديد في هذا المجال، وأعاقا ترخيص المراكز غير المرخصة، بما فيها المركز الأول الذي يعمل منذ ثلاثة عقود تقريباً، وفي عام 2015 صدر القرار 2 / ت، إلا أنه لم ينطو على أي تطور ملموس في القرارين السابقين، وخاصة فيما يتعلق بالجهة التي تقوم بمنح التراخيص، ذلك أن القرار الصادر عام 2011 كان أوكل الترخيص إلى لجنة مركزية للإخصاب تابعة لوزارة الصحة، أما القرار الصادر في عام 2012، فقد عقّد الإجراءات بأن أتبع الترخيص لمديرية الهندسة، ومديرية المشافي.

التراخيص..

احتكار وتضييق  وحصر!

يشكو أطباء تقدموا بطلباتهم للحصول على تراخيص – طلبوا  عدم الكشف عن أسمائهم – من أن لجنة التمحيص تغرق المتقدمين بسلسلة من التسويفات والشروط التعجيزية، بل يبدو الأمر شبه مستحيل في ظل حصر الأقسام والمراكز، منذ سنوات طويلة، بعدد من الأطباء المعروفين، البعض منهم في عداد اللجنة، ما يلقي الشبهة حول وجود احتكار في ممارسة هذا “الاختصاص”.

ولدى المتابعة الحثيثة والمتأنية لهذا المسار، كانت عقد كثيرة تتجمع عند نقطة محددة منه، وهي آلية عمل لجنة تمحيص شهادات الإخصاب المساعد، فهناك جملة نقاط غير واضحة أثارها عدد من الأطباء الذين التقتهم “البعث” فيما يتعلق بآلية عمل لجنة تمحيص شهادات الإخصاب المساعد، لجهة عدم تحديد موعد واضح ومعروف لتقديم الأوراق، وفيما بعد المقابلة، أو العمل باستمرار على زيادة الفترة اللازمة للتدريب أو اشتراط التدريب خارج القطر، أو حصره في مركزين أو ثلاثة ، ما يزيد الأمر تعقيداً، خاصة مع عدم إجراء دورات للراغبين في الحصول على الترخيص داخل القطر بإشراف الهيئة السورية للاختصاصات الطبية التابعة لوزارة الصحة، إضافة إلى عدم وضوح طبيعة عمل اللجنة، هل هي لجنة لإجراء الامتحانات للمتقدمين، أم هي لجنة لتمحيص الشهادات وتدقيقها، أم للاثنين معاً؟!.

ومن المفيد ذكره أنه، في المقابلة ما قبل الأخيرة، تقدم سبعة أطباء بأوراقهم للحصول على تراخيص، وتمت دعوتهم إلى المقابلة، إلا أن النتيجة كانت عدم حصول أي منهم على الترخيص، لم يتم قبول جميع من تقدموا!.. إن أي امتحان تكون فيه نسبة الرسوب أقل من عشرين بالمئة، أو نسبة النجاح أكثر من ثمانين بالمئة، يثير الشكوك، فكيف ونحن أمام حالة كهذه؟! والسؤال: ما هي المعايير المطلوبة، في وقت تعمل عدد من المراكز من دون ترخيص، وعلناً؟! ألم يكن من الأجدى ضبط هذا الموضوع وتسويته بالطرق التي تنصف الجميع؟ وكأنهم يقولون للعاملين في هذا المجال:  “اعملوا” ترخيصاً من دون ترخيص.. لا ضير في ذلك ولكن لا تطلبوا ترخيصاً!.

لدى توجّهنا للدكتور يونس قبلان رئيس الهيئة السورية للاختصاصات الطبية التي تتبع وزارة الصحة، والتي تعتبر هيئة مستقلة، للاستفسار منه عن بعض النقاط المتعلقة بعمل اللجنة، رفض، بشدة، الإجابة عن أي سؤال، مدعياً أن موضوع اللجنة لا شأن للإعلام به بتاتاً، وأنه موضوع فني لا يحق لنا السؤال عنه، وأن هناك شكوى في الرقابة والتفتيش، و”مو كل ما اجا عبال حدا يحقق بموضوع اللجنة، بدو يجي يسأل”، على حد تعبيره، منهياً حديثه بالقول: إن وجوده في هذا المنصب جلب له الكثير من المشاكل ووجع الرأس!.

رأي الوزارة

لا توجد صعوبة في الحصول على ترخيص، الأمر مجرد تدقيق في قضايا محددة، سواء أكان مركز إخصاب، أم قسم إخصاب ضمن مشفى، بمؤهلات العاملين في هذا المركز، الطبيب والفني وطبيب المخبر على حد سواء، ويفترض أن يكونا محققين شروطاً معينة بموجب القرار التنظيمي الصادر عن وزارة الصحة في عام 2015 الذي ينظم العملية، هكذا أوضح الدكتور أحمد خليفاوي معاون وزير الصحة، مؤكداً حرص الوزارة على تعديل القرارات التنظيمية بشكل مستمر لتواكب وتتوافق مع المستجدات التي تحصل على مستوى العالم لتقديم الخبرة الصحية والطبية للمواطن بشروطها المثلى، خاصة أنها مكلفة، لذلك يهمنا، والكلام للدكتور خليفاوي، أن تكون هذه المراكز محققة للشروط المطلوبة كافة، مضيفاً أن وزارة الصحة لا تملك أي مركز للإخصاب المساعد، وبسبب سنوات الحرب كانت هناك أولويات للوزارة، خاصة مع استهداف المشافي والمراكز والكوادر البشرية، لذلك هناك المهم، وهناك الأهم، وأولويات الوزارة في سنوات الحرب بالطبع هي تأمين الأمور الإسعافية، أما فيما يتعلق بالمراكز المعدة للتدريب فهي معتمدة لكل الاختصاصات، وليس للإخصاب المساعد فقط، من قبل الهيئة السورية للاختصاصات الطبية من خلال اجتماعات المجالس العلمية، حيث تم اعتماد عدد من المراكز الخاصة للتدريب داخل القطر، إضافة لمركز يتبع لوزارة الدفاع في مشفى تشرين العسكري، ولكن من المفيد التذكير بعدم وجود آلية محددة لقبول المتدرب، ما يترك القرار لأصحاب هذه المراكز!.

هنا لابد من الإشارة إلى أن الإخصاب المساعد هو خبرة لا يمكن تقييمها إلا بالفحص العملي، وعند سؤال الدكتور خليفاوي عن قيام أعضاء اللجنة، وهم بمعظمهم أطباء نسائية بإجراء الامتحان للأطباء المخبريين، أكد أن لكل دوره، الطبيب المخبري، والطبيب الممارس!.

وكيف سيمتحن أعضاء اللجنة الطبيب المخبري، هل سيسألونه أسئلة نظرية؟!.

أجاب خليفاوي بأن مراحل عملية الإخصاب تعتمد بشكل أساسي على العمل المخبري الذي يتم تحت إشراف رئيس القسم، أو رئيس المركز المؤهل لممارسة هذا العمل، وبالتأكيد الطبيب المعني بعملية الإخصاب على دراية كاملة بمتطلبات عمل الطبيب المخبري!.

إذا افترضنا أن هذا الكلام دقيق، فلماذا إذاً يتطلب وجود مخبري وطبيب في المركز، بمعنى هل يمكننا الاستغناء عن المخبري؟.

هل هو اختصاص؟

يرى الدكتور خليفاوي أن موضوع الإخصاب ليس اختصاصاً بحد ذاته، وإنما هو تعميق اختصاص، أو جزء من اختصاص فرعي، وبالتالي فإن من سيحصل على ممارسة هذا العمل يجب أن يكون متدرباً في أحد المراكز المعتمدة لفترة سنتين للطبيب، وسنة للمخبري الذي يقدم شهادات الخبرة التي طبقها، وبيان خدمة من المركز الذي تدرب فيه،  ليعرضها على لجنة مختصة هي لجنة تمحيص، أو تدقيق تقر بأن هذه الشهادات معتمدة، وأن صاحبها مؤهل وجدير بالقيام بإجراء عمليات الإخصاب، ومنعاً للخلط، يؤكد خليفاوي أن الأمور العلمية تتبع للمجلس العلمي والهيئة السورية للاختصاصات الطبية  التي تقر الآلية المناسبة للتأكد من قدرة هذا الشخص أو ذاك على ممارسة الاختصاص، ولدى السؤال عن مهمة اللجنة، هل هي التمحيص، أم إجراء امتحان شفهي؟ أوضح خليفاوي أنها لجنة تمحيص، ولكنها تجري اختباراً للتأكد من قدرة الشخص على ممارسة العمل، وهو شكل من أشكال الحصول على المصداقية في ممارسة العمل، وحسب ما ذكر لنا عدد من الأطباء فإن الجراحة التنظيرية على سبيل المثال أخطر بكثير من الإخصاب المساعد، وهي تتم من دون مؤهل خاص، فلماذا يتم إغلاق العمل في مجال الإخصاب على عدد محدد من الأطباء لا يتجاوز عدد أصابع اليد تحت ذرائع واهية؟!.

 

أطباء بعضهم في عداد اللجنة

ما تهم الإشارة إليه أن بعض أعضاء اللجنة يملكون مراكز طفل أنبوب خاصة، وقد توفرت معلومات لـ”البعث” بأن أحد أعضاء اللجنة كان يعمل في مشفى يحوي قسم إخصاب غير مرخص أصولاً، وتم توجيه إنذار للمشفى، وكان هذا القسم، رغم ذلك، أحد المراكز المعتمدة للتدريب في وقت سابق، إضافة إلى أن هناك عضواً آخر في اللجنة تم، منذ فترة قصيرة جداً، توجيه عدة ملاحظات له تتضمن مخالفات واضحة في البناء، قبل أن يتم طيها فيما بعد!!.

 

تسويف وشروط تعجيزية للبعض!

إذاً اللجنة تقبل بعض المتقدمين غير المستوفين للشروط، خاصة فيما يتعلق بفترة التدريب التي يتم التغاضي فيها أحياناً عن المدة المطلوبة، والاكتفاء بمدة قد تكون أقل، فيما ترفض أطباء لديهم أوراقهم النظامية بشهادات من جامعات كألمانيا وغيرها، وبعضهم رؤساء أقسام في المشافي، ولديهم باع طويل في هذا المجال، وأحدهم رئيس شعبة الإخصاب في مشفى التوليد الجامعي في مدينة حلب.

شكاوى

هناك شكاوى لدى هيئة الرقابة والتفتيش التي لم تعترض على إثارة الموضوع إعلامياً، بل اعتبر (المسؤول؟؟) عن القطاع الصحي فيها أن تسليط الضوء على هذا الموضوع الأخلاقي والعاطفي والحساس ربما يسرع من مجرى التحقيق، وربما يكون ذلك بمثابة إبلاغ رسمي، فالمشكلة عامة تمس شريحة من الأطباء والفنيين، إضافة إلى شريحة كبيرة من المواطنين، وتمس أيضاً بعض مؤسساتنا الصحية التي يفترض أن وزارة الصحة، كونها الجهة الرسمية المسؤولة عنها، تعمل على تطويرها وتشجيع كوادرها ومؤسساتها بحيث ترقى إلى المستويات المطلوبة، ما سينعكس حكماً على مصلحتنا الوطنية.

لينا عدرة