الصفحة الاخيرةزواياصحيفة البعث

وثيقة وطن..!

حسن حميد

مرة بعد أخرى، يثبت هذا الشعب العظيم أنه دارة للابتكار والإبداع والنيافة، ودارة للقيم النبيلة، والتواريخ الباديات، والأفعال شقيقة المعجزات، والنتائج المحلقات مثل النجوم دروساً للتاريخ بأبعاده الثلاثة: الماضية، والراهنة، والمستقبلية، كما يثبت هذا الشعب العظيم أنه المعطاء والحارس والأمين على السيادة، والمنادي بكل عزيز ونبيل في دارتي السلم والحرب!

سنوات مُرّة، وقاسية، وشدود قابلها أبناء هذا الشعب العظيم، على اختلاف شرائحه وفئاته ومستوياته، بالثبات والصبر والعمل والمواجهة والإرادة التي لم تعرف يوماً الانحناء أو الخذلان، وقد كانت شرائح المجتمع جميعاً صاحبة القدرة الكافية/الضافية على اشتقاق ما يواجه هذه الحرب الضروس التي فرضت على سورية، فقد حوّل هذا الشعب الأبيّ البلاد كلها، بما فيها من بيوت، وشوارع، وقرى، ومدن، وبوادي، وأنهار، وأودية، وجبال، وتلال، وطرق، ودروب.. إلى خندق واحد اسمه الخندق الوطني للمواجهة، وقد تعددت طيوف هذا الخندق وتكاثرت من أجل أن تظلَّ راية الوطن بألوانها المضيئة شارقة عالية راهجة بالفرح والصباحات الطالعة نوراً ومحبة! من هذه الاشتقاقات البكر، الملأى بالوطنية والإبداع والمحبة والاجتهاد والتعب الجميل والغيرة المدهشة، مؤسسة وثيقة وطن، وهي مؤسسة أهلية استقطبت خيرة العقول النابهة، وخيرة الأرواح المشدودة إيماناً إلى البلاد العزيزة /سورية، وأكثر الهمم حماسة وخبرة ومعرفة بالتوثيق الشفوي عبر (تسجيلات، حوارات، مرويات، حكايات، أخبار، مشاهدات، معايشات، وثائق، رسائل، وصايا، أمانات، آثار.. الخ)!

وثيقة وطن، المؤسسة الأهلية هي اليوم، ومنذ سنتين وأزيد، والعاملون فيها أشبه بخلية النحل تأسيساً، وإعداداً، وتنظيماً، وأرشفة، وجولاناً يشبه جولان الطيور في جميع البقاع السورية من أجل توثيق أحداث الحرب وحادثاتها وما فيها من نبل أبناء البلاد، صغاراً وهم في مدارسهم التي لم تغلق أبوابها مع أن أيدي الإرهابيين القذرة لغمت الصفوف والباحات ومداخل المدارس في أوقات الصباح الباكرة، وفي أوقات انصراف الطلبة والتلاميذ إلى بيوتهم، وكباراً وهم في وظائفهم ومشاغلهم وحقولهم ومعاملهم، ومهنهم كافة، ونساءً وهن يودعن فلذات الأكباد بالدموع الصافية كالينابيع، وبالتربيتات على الأكتاف الصغيرة التي ستحمي البلاد، وشيوخاً وهم يحرسون الدروب والبيوت والأخبار والطمأنينة لأن حضورهم في البيوت والدروب والشوارع كان ركناً مهماً من أركان الطمأنينة السورية.

وثيقة وطن اليوم مؤسسة معرفية، بكل ما تحمله كلمة المعرفة من وجوه أنشطة الحياة وحضورها في زمن الحرب، لترصد بالواقعة، والحدث، والخبر، والقصة، والرواية، والسيرة الذاتية ما جرى في جغرافية البلاد السورية كلها، من أجل الوصول إلى المرتكزات التي قام عليها نصر سورية البهّار، وسط دخان رجيم أشعلته حروب كثيرة ومتعددة ومتداخلة، منها الحرب العسكرية، والحرب الإعلامية، والحرب الاقتصادية، والحرب النفسية، والحرب القائمة على الإحباط واليأس والكفر بكل عزيز نبيل، وها هي مرتكزات النصر تتجلى، وفريق وثيقة وطن، يفرّغ ما اشتملت عليه المعلومات التي جُمعت وأُرشفت، ولعل في طالع هذه المرتكزات: الانشداد إلى معنى السيادة، وفي لباباتها الحفاظ على الأرض طاهرة مقدسة، والحفاظ على الإنسان سيد الأرض ووجدانها، والحفاظ على المبادئ التي صارت عقائد وطنية تمشي في الدم، وتقرّ في الضمير، وتتبدى في الأفعال.

وثيقة وطن، بفريقها الأمين على ما جاء في بيانها التأسيسي هي اليوم ظاهرة اجتماعية /ثقافية /وطنية تقوم بواجب أرشفة أحداث الحرب وحادثاتها لتكون بين أيدي أصحاب العقول المبدعة ليكتبوا تاريخ سورية المشرّف خلال عشرية الدم والمواجهة والنصر، وهذه المؤسسة أيضاً تطل على المبدعين أهل القصة والحكاية والرواية والخبر الوطني في مشهدية للإبداع عبر مسابقة /جائزة حكايتي/ لتشير إلى مئات القصص والحكايات والمرويات والسير الذاتية التي صارت بين أيدي الفريق العامل فيها، وكلها مهمة وذات روح وطنية سامية، وأنها ستكون، بما سيضاف إليها، كتابنا الوطني الذي كتبته أرواح أبناء الوطن مشاهدةً وعياناً ومعيوشةً.

Hasanhamid55@yahoo.com