دراساتصحيفة البعث

هل يغير جونسون بريطانيا للأبد؟

ترجمة: عائدة أسعد

عن نيويورك تايمز 13/12/2019

تعتبر الانتخابات التي جرت يوم الخميس الماضي من أجل حلّ المشكلة المتمثّلة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -البريكست- علامة على وجود أزمة سياسية، وقد أعطت حزب المحافظين الأغلبية القيادية الأولى له منذ أكثر من 40 عاماً. لقد تجاوز حجم وشكل الانتصار كل التوقعات، لأن البرلمان سيمتلئ بالمشرعين المحافظين، بينما يتأرجح حزب العمل المعارض على شفا حرب أهلية.

وحالياً يمتلك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الوسائل اللازمة للقيام بما يشاء، وفي نهاية فترة ولايته للسنوات الخمس ستكون بريطانيا مكاناً مختلفاً في الخروج من الاتحاد الأوروبي كبداية، ولن تكون اتحاداً للأمم وسيتغيّر المجتمع البريطاني برمته إلى الأبد بخطبه وهيكله واقتصاده وثقافته.

في البداية لم يكن من المرجّح أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جذري، فقد بدا الناخبون مستائين من القضية برمتها، وركز جونسون وفريق حملته الانتخابية على تهديد جيريمي كوربين زعيم حزب العمل الذي انتهت فترة ولايته، واطلعوا على أرقام مبالغ فيها إلى حدّ كبير في التكاليف الضريبية التي تمّ تداولها في عمليات شراء للإعلانات الرقمية الضخمة،  وكذلك التغطية المستمرة في الصحف، وقام مستشارو جونسون بحمايته من المقابلات الصعبة والتدقيق الإعلامي.

وعلى النقيض من ذلك، حاولت حملة حزب العمال جعل الانتخابات استفتاء على التقشف والعقد الماضي من حكم المحافظين، وكان بيانها هو الأخطر وخاصة فيما يتعلق بتغير المناخ، وحشدت آلاف النشطاء في شنّ حملة رقمية ضخمة، كما ركزت وسائل الإعلام وسط عدم شعبية كوربين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعلى أربع سنوات من الهجمات على القيادة من قبل المتردّدين غير الراضين.

النتيجة واضحة، لقد أُعيد رسم الخريطة الانتخابية في بريطانيا، ففي اسكتلندا تمّ اكتساح شبه كامل للحزب الوطني الاسكتلندي وقضت على كلا الحزبين الرئيسيين. وفي إنكلترا وويلز كانت القصة أكثر وضوحاً، فالمقاعد التي يحتفظ بها حزب العمال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سقطت مع المحافظين، وواجه الحزب خسائر مميتة في المناطق التي يعتبرها منذ فترة طويلة معاقل له، إضافة إلى فقدان العشرات من المقاعد في جميع أنحاء ميدلاندز والشمال، بما في ذلك بليث فالي الذي يشهد على عمق الهزيمة، بينما كان تصويت حزب العمال مقيداً جغرافياً في المدن الكبرى.

سينظر الكثير من الناخبين إلى بلد غير مألوف ويفهمون التفسيرات، وسيصل الكثيرون وخاصة في المدن التي حقّق فيها حزب العمال مكاسب قليلة مساء الخميس إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لذلك تعدّ البريكست فرصة لجونسون تمكّنه من إعادة تشكيل الأسس الاقتصادية والسياسية لبريطانيا، ومن المرجح أن يمرّر صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للبرلمان قبل عيد الميلاد، ولكن عندما تتحرّر بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن بعض الأوهام التي تقود “بريكست جونسون” لبريطانيا العالمية سوف تتلاشى بشكل مؤكد، ومن المرجح أن يكون عالم التجارة والاقتصاد البريطاني أكثر وحشية لأنها مليئة بوظائف اقتصادية متدنية الأجور، وفي حين أن الناخبين المحافظين التقليديين يمكنهم تحمّل اضطراب الخروج الصعب، فإن الناخبين الذين حصلوا عليه حديثاً لا يمكنهم ذلك.

ليس من المؤكد أن تنجو خطط الإنفاق في حزب المحافظين من أي آثار اقتصادية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن الأمر المؤكد هو أن المحافظين سيتابعون وعودهم بحماس ويتبعون إجراءات استحوذت على العناوين الرئيسية، وفرصتهم كبيرة لأنهم الأغلبية ولديهم خمس سنوات كاملة لاستخدامها.