دراساتصحيفة البعث

سرقة النفط السوري.. مبدأ السياسة الأمريكية

د. معن منيف سليمان

يعدّ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الإبقاء على جزء من قوّات بلاده في سورية، بغرض “تأمين النفط”، اعترافاً رسمياً صريحاً أماط اللثام عن مبدأ السياسة الأمريكية في سورية، التي تهدف بالدرجة الأولى إلى سرقة النفط، وحرمان الشعب السوري من عائداته بذرائع واهية. فالرئيس ترامب تحدّث –بشفافية- عن نهب ثروات الشعب السوري، وليس تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كما كان يفعل رؤساء أمريكا من قبل. إن هذه السياسة التي تنتهجها أمريكا تجاه سورية تقوّض وبشكلٍ كبير مصداقية واشنطن، وتجرّها إلى مواجهة عسكرية مع الشعب السوري، تؤدّي إلى خسائر بين صفوف جنودها، وبالتالي الاضطرار للانسحاب الحتمي.

أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في مطلع شهر تشرين الثاني أنه يعتزم إبقاء جزء من القوات الأمريكية في سورية لحماية حقول النفط شرقي سورية من سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي، وقال ترامب: “نريد أن نعيد جنودنا إلى الوطن، لكننا تركنا بالفعل جنوداً لأننا نريد الاحتفاظ بالنفط، أنا أحب النفط، نحن نُؤمّن النفط”. وقد لمّح إلى أن الاستيلاء على بعض الموارد الطبيعية السورية سيكون “تعويضاً” عادلاً مقابل تكلفة الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في سورية مؤكّداً أنه “يجب أن نأخذ حصّتنا”.

إن الرئيس ترامب يحاول تسويغ سرقته للنفط السوري، بذريعة حمايته من فلول “داعش”، بعدما أعلن في أكثر من مرّة انتهاء الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، وخاصة بعدما أعلن عن تصفية زعيمه أبو بكر البغدادي، ما يؤكّد انتفاء ذريعة بقاء القوات الأمريكية في سورية. وهو يعترف بكل فظاظة أن الأمريكيين سيأخذون حصتهم من نفط سورية، وأنه عازم على القيام بعقد صفقة مع بعض الشركات النفطية الأمريكية لتتولى عملية النهب بطريقة صحيحة! وفي الحقيقة إن الشركات الأمريكية لم تتوقف منذ أكثر من ثلاث سنوات وبالتنسيق مع تنظيم “داعش” الإرهابي عن سرقة النفط السوري، ونقله إلى تركيا عبر شبكة خطوط وأنابيب تركية لتبدو وكأنها صادرة عن حقول “باكو” في بحر قزوين. ما يدّل على أن إعلان الرئيس ترامب باستدعاء بعض الشركات النفطية الأمريكية لاستخراج النفط السوري هو كلام جاء متأخراً عن الواقع.

أثار اعتراف الرئيس الأمريكي الفج انتقادات من قبل خبراء القانون والطاقة على حدّ سواء من أن ذلك قد يكون جريمة حرب. وتعليقاً على تصريحات الرئيس ترامب، قال بروس ريدل مستشار الأمن القومي السابق والباحث في معهد بروكينغز: “هذه ليست مجرد خطوة قانونية مريبة، بل إنها ترسل كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط”. وعلّق جيف كولغان أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة براون قائلاً: “فكرة أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالنفط لشركة “إكسون موبيل” أو شركة أمريكية أخرى، هي فكرة غير أخلاقية وربما غير قانونية”، والشركات الأمريكية ستواجه “مجموعة من التحديات العملية” في سورية.

إن الأمريكيين يسرقون النفط من الحقول السورية عبر التنظيمات الإرهابية المسلّحة وينقلونه إلى الأراضي التركية بحماية مباشرة من الجيش التركي وبكميات كبيرة. وقد اتهمت وزارة الدفاع الروسية، أمريكا بتأمين عمليات تهريب النفط السوري إلى خارج البلاد، ونشرت أدلّة على ذلك، حيث نشرت وزارة الدفاع الروسية صوراً من الأقمار الصناعية ترصد تحرك صهاريج نفط من سورية إلى خارج الحدود.

وفي هذا السياق لابدّ من العودة إلى تصريحات السيد الرئيس بشار الأسد قبل عدّة أيام التي أكد فيها أن: “أردوغان لص سرق المعامل والقمح والآثار وغيرها، عبر شبكاتٍ وهميةٍ ومنظمات غير حكومية في لبنان وتركيا محمية ومدعومة من جهات أمريكية وبريطانية، رتّبت إخراج ما سرقوه، وإرسال نفائس سورية إلى أوروبا و”إسرائيل” وأمريكا للبيع بالمزادات العلنية، ولملء جيوب الساسة وقادة الحرب على سورية”.

إن عائدات تهريب النفط السوري التي تقوم بها وكالات حكومية أمريكية تتجاوز ثلاثين مليون دولاراً شهرياً ترسل مباشرة عبر سماسرة إلى حسابات مؤسسات أمنية أمريكية خاصة، وإلى حسابات وكالات الأمن الأمريكية، هذا بالضبط هو المبلغ الذي تسرقه الولايات المتحدة من إنتاج النفط في سورية، حيث تمّ وضع مخططات الإمداد منذ مدةٍ طويلةٍ.

إن سرعة انتشار الجيش السوري في شمالي شرقي البلاد تضيّق المجال وتفوّت الفرصة على الأمريكيين ليس في إبقاء جنودهم حول حقول النفط السورية وحسب، بل في إعاقة تصدير المنتج النهائي وبيعه في السوق، وليس بعيداً أنْ تدخل الدولة السورية في مرحلة من النضال والمقاومة المسلّحة لطرد الاحتلال الأمريكي في حال أصرّت الإدارة الأمريكية على قرار إبقاء جنودها من مبدأ أنّ كل حقول النفط والغاز يجب أن تعود إلى سيادة الدولة، وأن الشعب السوري يرفض بقاء أية قوات أجنبية على أراضيه. إبقاء واشنطن لقوات لها في حقول النفط السورية، يؤكّد أنها لم تكن يوماً تريد مساعدة الشعب السوري، واعتراف الرئيس ترامب -بكل شفافية- إنه “يحب النفط”، و”قمت بتأمين النفط”، و”لندع الأتراك والأكراد يتقاتلون مع بعضهم البعض، ولندع كل من يتواجد على الأرض السورية يتقاتلون”، يسقط كافة الأقنعة الإنسانية التي تختبئ وراءها الإدارة الأمريكية، ويثبت أن مبدأ أمريكا الاستراتيجي في سورية هو سرقة النفط السوري.