ثقافةصحيفة البعث

في اليوم الأخير من مؤتمر” ثقافة الأطفال في زمن الحرب” خطـــــط عمـــل إعلاميــــة وأدبيــــة وتربويـــة

لأن الأطفال في زمن الحرب هم الحلقة الأضعف والشريحة الأكثر تأثيراً بمجرياتها وتأثيراتها ولأنهم جيل المستقبل ومؤشر لما سيكون عليه تحولت مشاركات اليوم الثاني – الجلسة الصباحية بإدارة الباحثة سلام عيد- من المؤتمر الثقافي السنوي “ثقافة الأطفال في زمن الحرب” إلى ورقات عمل تضمنت خطوطاً عريضة لبعض المقترحات لوضع أطفالنا على الطريق الصحيح بعد أن فعلت ما فعلته الحرب بحياتهم، وبدا واضحاً أن هذه المقترحات هي بمثابة خطط واستراتيجيات عمل إعلامية وأدبية وتربوية والتي من الضروري أن ترى النور وألا تبقى حبيسة المؤتمرات والندوات.

خطة عمل إعلامية

بخبرتها الكبيرة في عالم الإعلام وما فعلته بنا وسائله في فترة الحرب على سورية مع الاعتراف بالدور الهدام الذي لعبه الإعلام المعادي في التدمير المادي والمعنوي والنفسي للفرد والمجتمع، كان من الضروري أن تتحدث الإعلامية القديرة هيام حموي عن آثار الحروب التي عانت وما زالت تعاني منها بلداننا وبلاد الجوار فقَدَّمت أمثلة على قوة تأثير المضمون الإعلامي على النفوس، مشيرة إلى ضرورة تقديم مقاربة جديدة للتعاطي مع المضمون الإيجابي الذي نريد ومحاولة وضعه في القوالب الإعلامية والفنية المنتشرة والسائدة، والبداية برأيها يجب أن تكون بفئة الأطفال الذين عاشوا الحرب في المناطق شبه الآمنة، من خلال عملية استطلاع حول ما يستهويهم من كتب وأفلام وبرامج وألعاب وأغان، ثم العمل على استخدام قوالبها الناجح للمحتوى الذي نريده والمبني على دراسات تربوية ونفسية، أما بالنسبة للفئات المتضررة نفسياً بشكل كبير فيتطلب من الخبراء تقديم مقترحاتهم العلمية ليضعها المختصون إعلامياً وفنياً موضع التنفيذ، مؤكدة حموي أنه ومع حلول الإعلام الرقمي في مطلع هذا القرن وانفلات البث الفضائي ثم الحروب التخريبية التي واكبت هذه المستجدات أصبح من الملح إيجاد استراتيجيات دفاعية هجومية بآن واحد لا غنى عنها بالنسبة لمستقبل أجيالنا وهي تقوم على: ضرورة إنشاء كيان إداري مشترك بين وزارات الثقافة والتربية والإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل ومن مهامها متابعة تأسيس هيئة لإنتاج الألعاب الإلكترونية الهادفة ومقاطع فيديو ذات مضمون جذاب إيجابي أخلاقي تعليمي، وإضافة حصة التربية الإعلامية لشرح أبعاد ما يُسمَع ويُشاهَد على مختلف الوسائل ولتنمية الحس النقدي لدى الأطفال وتشجيع تجربة الإذاعة المدرسية التي كانت سائدة في بعض المدارس، والخروج من دائرة القوالب الجاهزة بالنسبة لأغنيات الأطفال وأن نمتطي الموجات السائدة لملء قوالبها المغرية بكلام يناسب أعمارهم مع إيجاد شخصية قدوة حسنة للأطفال وتصويرها فنياً بطريقة جذابة، وإعداد برامج توعوية للأهل والمدرّسين وتشجيع كتّاب الدراما على تأليف أعمال توجيهية تُبَسِّط التعامل مع المواضيع التربوية المعقَدة.

فجائعية الواقع

ورأت الكاتبة لينا كيلاني أنه وفي زمن الحرب التي اجترحت طفولة أبنائنا لا يمكن أن نكتفي بقصص التراث وغيرها، بل يدفعنا لأن نُقَدِّم لأطفالنا كل ما يتعلق بتراثنا القريب من نضالنا ضد الاستعمار مما يثير اهتمام الطفل ويؤكد على القيم النضالية لديه حتى لو تناولنا الأحداث القائمة، ولكن أن يلتقط منها ما هو إيجابي بعيداً عن فجائعية الواقع وآثاره السلبية على نفسية الطفل وشخصيته وبالأخص الأطفال الذين أصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الحرب التي طالتهم من خلال عودة كتّاب الأطفال إلى الحقائق الناصعة وبثها بهدوء وموضوعية دون إبعاد الأطفال عن ما يجري حولهم ومنحهم الأمل والتفاؤل بالوقت، ولأن معطيات جديدة أصبحت تدخل في عوالم الطفولة وهي ما يتفجر في العالم من كوارث طبيعية وحروب يعرضها كل مجتمع بمنظاره الخاص مما قد يخلق العداء بين أطفال العالم، من هنا كان لزاماً على كاتب الأطفال برأي كيلاني أن يجمع علوماً عدة من حيث كونه مؤرخاً ومحللاً سياسياً وراصداً لمجريات الأحداث بحيث لا يشحن مؤلفاته بما يمكن أن يكون مزيفاً أو بعيداً عن الحقيقة، لأنها مسؤولية بالدرجة الأولى قبل أن تكون متعة قراءة ومسرّة للطفولة، مؤكدة على ضرورة أن نُضَمِّن أدب الأطفال قيم السلوك من حيث تعامل الطفل مع الآخر والانطلاق من منظور إنساني لا يكون معه الطفل مشحوناً سلفاً بالحقد ورفض الآخر لمجرد أن يكون هذا الآخر من انتماء مختلف وكل ذلك من خلال نصوص أدبية تكون مفتاحنا السحري للوصول إلى قلب الطفل مبينة أن أدب الأطفال له شروطه وأسسه وهو مصدر هام من مصادر التعريف بمنظومة القيم وبث المعارف وإطلاق الخيال والكاتب فيه يواجه أكثر من تحدي في الشكل والمضمون ليكون أدباً حقيقياً يحقق الغاية منه في صناعة أجيال المستقبل.

القصة في حياة طفلنا

ولأن للقصة دور فعّال في النمو الانفعالي للطفل وتخفف من حدة توتره وقلقه وتساهم في تكوين شخصيته وتقويم سلوكه دون إجبار تحدثت الأديبة مها عرنوق في مشاركتها عن القصة الموجهة للطفل ودورها التربوي والتعليمي والترفيهي، من هنا أشارت إلى أهمية اختيار قصص تربوية يُشتَرَط فيها أن تكون مناسبة لعمر الطفل الزمني والعقلي وأن تكون مشوّقة وتضم شخصيات واضحة ومرسومة وملوّنة بشكل جيد، وأن تكون مكتوبة بأسلوب سهل مبسّط إلى جانب إشراك الطفل باختيار قصصه متوقفة عرنوق عند مرحلة مهمة هي مرحلة فن إلقاء القصة حيث أكدت على ضرورة أن يكون الطفل في حالة نفسية جيدة، وبالمقابل أن يكون قارئ هذه القصة مرتاحاً جسدياً وذهنياً، ولأن بداية القصة هي بوابتها لا بد برأيها أن تكون قصيرة ومشوّقة وتروى دون اللجوء إلى القراءة المباشرة مع استخدام كل أساليب التشويق لشد انتباه الطفل بلغة عربية فصيحة دون التخوف من عدم فهمها، وختمت عرنوق مشاركتها بالتحدث عن بعض الأخطاء التي يقع فيها كُتّاب القصة الموجهة للأطفال والمُسْتَمَدّة من خبراتها الميدانية في مجلة “أسامة” للأطفال ومن خلال العمل الطويل مع الأطفال مباشرة.

الترجمة وإغناء خبرات الطفل

في الجلسة الثانية من المؤتمر التي ترأستها الإعلامية هيام حموي تناولت المترجمة سلام عيد في مداخلتها موضوع الترجمة وإغناء خبرات التعامل مع الطفل من الثقافات الأخرى وفي البداية قدمت فكرة تصورية عن نشأة اللغات الإنسانية حيث كانت اللغة عامل تبادل بين أفراد المجتمع، وكل مجتمع طور لغته مع تطور تقنياته وركزت على أهمية الاتصال بين الشعوب والاطلاع على ثقافة الآخر لتحقيق الازدهار داخل المجتمع، علماً أن قصص الشعوب وحكايات الأسفار كانت أسرع نتاجات العقل البشري في التداول، ورأت المترجمة أن اتصال الطفل وحتى البالغ مع الآداب الأخرى لا يتم عن طريق الكتاب فاتصال الطفل يكون غالباً عن طريق أفلام الكرتون والتي مهما كانت فإنها لا تستطيع أن تفتح الحدود أمام خيال الطفل وأن تسهم في تنمية ذكائه كما يجب، كما تحدثت عن بعض الشروط التي من المهم أن يتمتع بها مترجم كتب الأطفال كتمكنه من اللغتين والقدرة على اختيار المفردات وفهم الإطار الفكري الذي نشأ فيه مايريد ترجمته، كما وقفت عيد عند بعض المشكلات التي تخص الترجمة لتؤكد في نهاية مداخلتها أنه على الرغم من كل الصعوبات من الضروري أن نقوم بتنشئة الطفل على حب القراءة وأن تحتوي الحكايات المقدمة للطفل مهما كانت على معلومة وأن نعتمد فيما نقدمه له في المدارس على شكل قالب الحكاية والتواصل والاطلاع على ثقافة الآخر دون خوف.

الفنون المقدمة للأطفال

وقدمت الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل بحثاً بعنوان الفنون المقدمة للطفل في كتب الأطفال أهدافها ومراميها الجمالية وأهميتها التربوية في بناء العالم الروحي للطفل وفيه أكدت على الدور الكبير الذي تلعبه الرسوم في كتب الأطفال من حيث التأثير والرسوخ في ذاكرة الطفل، مع العلم أن الطفل الصغير في العمر يحتاج إلى رسوم متميزة وهو يترجم الصورة حسب المرحلة العمرية التي يعيشها وهي تحرض الطفل على التخيل ويستطيع أن ينسج عليها الحكاية، مع التأكيد على أنه دقيق الملاحظة وقادر على اكتشاف الغش والخداع فيما يقدم إليه، وركزت الأصيل على أهمية التنوع في أساليب الرسم في كتب الطفل مما يجعله قادراً على تذوق فكرة التنوع والاختلاف والتمييز بين الأساليب الفنية المختلفة لأننا لا نريد خلق جيل فنان فقط بل أيضاً جيلاً مبدعاً قادراً على تحرير ذهنه من التقليد.

آفاق جديدة للمعرفة

أما الشاعرة والكاتبة جمانة نعمان فقد تحدثت عن الشعر الموجه للأطفال كوسيلة لتغذية اللغة عند الطفل وفتح آفاق جديدة للمعرفة أمامه، وبدأت مداخلتها بقراءة مجموعة من القصائد للأطفال، وركزت في بحثها على أهمية إثارة الدهشة لدى الأطفال في كل ما نقدمه إليهم لأن الدهشة هي أم الإبداع ولا بد من وضعها بين يدي وعقل المتلقي، والأطفال هم أمراء الدهشة وعلينا أن نعتمدها في سماع قصصهم وأن نضعها منهجاً أثناء تعليمهم، وبقدر ما يثير السؤال من دهشة يكون الجواب، لذا من المهم فتح عالم الطفل على اتساعه ودفعه باتجاه السؤال وعرضت نعمان ديواناً صادراً عن وزارة الثقافة عام 2008 يحوي مجموعة من القصائد لأطفال مبدعين وأكدت على أهمية تشجيع وتبني مثل هذه التجارب.

في الختام رفع المشاركون في المؤتمر برقية تحية لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد على الجهود الكبيرة التي يبذلها في الدعم والرعاية في سبيل تهيئة أسباب إعداد أطفال سورية علمياً وثقافياً وغرس حب الوطن في قلوبهم.

أمينة عباس- جلال صالح