ثقافةصحيفة البعث

 الأعمال الكاملة لـقمر كيلاني..رسائل فكرية وأدبية

تجتمع الرواية والقصة في المؤلفات الكاملة للأديبة قمر كيلاني الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويستكمل هذا الجزء من هذه الأعمال إبداعها في الدراسة التاريخية فهو يحتوي على دراسة كتبت بروح الأديب الذي يحرص على روعة الكلمة وهي تفتح آفاقها اللامتناهية أمام القارئ حاملة معها ثقافة قمر كيلاني الموسوعية ورؤيتها الشمولية وموهبتها الإبداعية التي تعلن عن نفسها عبر الكلمة الجميلة المؤثرة التي برعت في انتقائها وتوظيفها داخل النص.

تنطوي صفحات الكتاب على دراسة متأنية عن فارس من فرسان السيف والقلم وهو أسامة بن منقذ الفارس العربي السوري الأصيل، متوقفة عند هذه الشخصية التي كانت لامعة وفريدة في عصرها في محاولة لجمع صورة تقريبية أقرب ما تكون إلى حقيقته فهو صورة تستحق أن تكون أنموذجاً، إذ نجد أنفسنا أمام جرأة تبدأ من سكين صغيرة في يد صبي وتتوالى حلقاتها في سلسلة من المغامرات والحروب وصد الهجمات لتنتهي في وقفة صامدة في الشيخوخة أمام الأحداث العظام والفارس بالمفهوم العربي هو الشهم وهو الكريم نفساً ويداً، كما يبدو أن للشعر لدى أسامة  صدى يفيض عن النفس موهبة ومنحة من السماء وما امتلأ بها علماً ومعرفة وثقافة فهو كان شاعراً كبيراً في عصره وعبقرياً في صوغ أفكاره وتجاربه وعواطفه وأحاسيسه وشعره سجل حافل لمعاناته كإنسان فنان، كما يتجلى الأدب لديه إبداعاً أكثر منه تأليفاً وتصنيفاً وجمعاً فهو مزيج من الشاعر المؤرخ والصياد الفارس والإنسان الشهم  وهذا ما يجعله متفرداً ومتميزاً، ثم ينتقل بنا الكتاب إلى دراسة أخرى متألقة عن فارس من فرسان الشعر ألا وهو امرؤ القيس وهي مبنية على أكثر المعلومات التاريخية  وثوقاً عنه مضافاً إليها ما أمكن استنتاجه برؤية فنية معاصرة لحياة شاعر اختلطت  في سيره الأسطورة بالواقع والوهم بالحقيقة ونسجت حوله الأقاصيص المتناقضة والحكايات الغريبة، مما تفتق عنه الخيال على مر عصور طويلة في محاولة لإعطاء صورة صادقة عن هذا الشاعر إن لم نقل الكاملة، فهو عاشق وبطل درامي ولا ينفصل لديه العشق عن الشعر وكما عشق المرأة عشق الطبيعة ومظاهرها والدراسة تقتصر على الخطوط العريضة لحياة الشاعر أولاً وللمرأة في حياته ثانية مع نماذج مختارة من شعره، ولأن قمر كيلاني حملت الهم الوطني والقومي في أغلب إنتاجها الفكري فقد جاء “عواء الذئب” عنوان آخر مجموعة قصصية يعلن عن ذلك الهم كشريان نازف، كما ولا يغيب ألق نفحات الصوفية عن هذا الكتاب عبر دارسة “التصوف الإسلامي” التي تركز على مفهومه وتطوره وأعلامه فالتصوف حركة عامة واسعة عرفها العالم من أقصاه إلى أقصاه منذ أقدم الأجيال، تسيره بتلك الروحانية العميقة التي تشرق في قلب العبد فيتساءل عن سر الله المجهول ويحاول أن يتصل به ففي الروح الإنسانية دائماً شوق وحنين إلى المنبع الأسمى الذي صدرت منه، وتلك اللمحات الخاطفة التي يشعر المرء فيها بأنه قريب من الإله هي التي جعل منها المتصوفة ركن حياتهم، ولولا تلك النفحات الصادقة التي تأخذها الإنسانية من الصوفية لطغت المادة على جوهر الحياة ولاندثرت معالمها ولخيم على الكون صقيع الموت، فالتصوف هو الحلقة التي يرتبط فيها المرء بخالقه وتفتح أمام عينيه آيات الكون الثلاث الخير والحق والجمال، كما تم التفريق بين التصوف والزهد والإضاءة على علاقة التصوف بالأدب والدين والفلسفة عبر استعراض المذاهب الثلاث وهي وحدة الشهود وممثله ابن عربي والحلول وممثله الحلاج، وكذلك وحدة الوجود وهي أساس فكرة الصوفية كلهم، أما دمشق روح الروح وقلب القلب من كل ما كتبت كيلاني فها هو كتابها “دمشق عاصمة ثقافة أبدية” يحتفي بخصوصية هذه المدينة العابقة بالياسمين وبالزهر وبالعطر على مدى الدهر، ويؤكد بين صفحاته بأن دمشق عاصمة ثقافة أبدية لا موسمية فهي دار السلام ومنها يرتفع الدعاء إلى السماء وهي الخالدة المتجددة وعاصمة العواصم ببنائها وأسواقها وحكاياتها ولا تخفي سطور  كيلاني عشقها لتفاصيل مدينة الجمال، فهي العين والوجدان وملجأ المحبين والأحباب، ويمكن القول أن مؤلفات قمر كيلاني هي رسالة فكرية وأدبية خرجت من الذاتية إلى الهموم الوطنية والقومية والاجتماعية وفيها التحديث للقصة والرواية التي اختصرت سيرة حياة مبدعة من الوطن واختصر هذا الكتاب بعضاً من ملامحها.

لوردا فوزي