رأيصحيفة البعث

العودة إلى الأوراق المحروقة

 

مع تقدم الجيش العربي السوري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، تواردت أنباء على إقدام إرهابيي النصرة والخوذ البيضاء على نقل أسطوانات غاز الكلور السام إلى محيط مدينتي سراقب ومعرة النعمان، وذلك لاستخدامه كما سبق أن استخدموه ضد المدنيين في مناطق سورية أخرى بهدف إيقاف تقدّم الجيش. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد كشفت، قبل ذلك، معلومات تؤكد قيام هؤلاء الإرهابيين بالتحضير لهذه الجريمة…
وإذا كان ما بات معروفاً من أن استخدام السلاح الكيميائي واتهام الحكومة السورية بذلك لا يحدثان إلا عندما يحقق الجيش العربي السوري تقدماً ميدانياً مهماً، ويبدي عزمه على مواصلة التقدم لتطهير المنطقة التي يستهدفها من الإرهابيين، إذا كان ذلك في حد ذاته دليلاً منطقياً قاطعاً وكافياً على إدانة التنظيمات الإرهابية ومنها الخوذ البيضاء والدول الداعمة لها، فإن هذه الإدانة تتأكد أيضاً بأدلة ملموسة كثيرة، يكفي أن نذكر منها اعتراف القناة 12 الإسرائيلية في تقرير متلفز بدور “إسرائيل” في فبركة مسرحيات استخدام الجيش العربي السوري السلاح الكيميائي في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، وقيام كيان العدو بناء على طلب أمريكي بإخلاء 800 عنصر من إرهابيي الخوذ البيضاء مع عائلاتهم إلى الأردن كي لا يقعوا في قبضة الجيش العربي السوري.
ورغم استماتة الدول الغربية الراعية للإرهاب في التغطية على ما تقوم به منظمة الخوذ البيضاء الإرهابية من جرائم في سورية، فإن بعض الأصوات الإعلامية الحرة في الغرب، تستمر في كشف حقيقة هذا التنظيم الإرهابي الذي يختفي وراء المسمى الإنساني وقناع الدفاع المدني، حيث أكدت الصحفية والباحثة البريطانية فانيسا بيلي مؤخراً أن الحكومات الغربية التابعة للولايات المتحدة هي التي أنشأت منظمة الخوذ البيضاء بهدف تشويه سمعة الحكومات المستهدَفَة من أجل تبرير تدخل عسكري مباشر أو بالوكالة أو باللجوء إلى الإرهاب الاقتصادي…
على أن أخطر ما في مسألة استخدام السلاح الكيميائي من قبل الإرهابيين لا يتوقف عند دور هذه المنظمة سيئة الذكر بل يتجاوزها إلى دور منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي يفترض أنها منظمة فنية بعيدة عن الانحياز والتسييس، إذ تأكد في الآونة الأخيرة بما لا يقبل الشك دور هذه المنظمة في تزييف الحقائق من خلال تحقيق لصحيفة ديلي ميل البريطانية كشف أن خبيراً وظفته المنظمة قال في بريد الكتروني مسرّب إن التحقيقات على الأرض في دوما لم تتوصل إلى دليل قوي حول وقوع هجوم الغاز المزعوم، مشدداً على أنه تم إخفاء الحقائق بشكل منظّم في تقارير المنظمة… ثم عادت الصحيفة إياها لتقدم وثائق جديدة تثبت تلاعب المنظمة بالتقرير النهائي حول الهجوم وإجرائها تغييرات كبيرة في أدلة المحققين الميدانيين. ولهذه الأسباب رفضت سورية، كما جاء على لسان مندوبها الدائم لدى المنظمة، أي مخرجات تصدر عن فريق بعثة تقصي الحقائق حول مزاعم استخدام سلاح كيميائي في دوما، واعتبرت قرار إنشائه منقوص الشرعية كونه لم يستند إلى أحكام اتفاقية الحظر وشكّل سابقة خطيرة عبر تفويض منظمة فنية بمسائل تدخل في صلاحيات واختصاصات مجلس الأمن…
لقد باتت هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الدولية وسائل طيّعة لتنفيذ الاستراتيجية العدوانية الأمريكية التي تستهدف الدول المستقلة والرافضة لإملاءات واشنطن. وأصبحت التهم المزورة والادعاءات الكاذبة والأدلة المفبركة أسباباً كافية لغزو الدول وتدميرها وتقتيل شعوبها ونهب ثرواتها. وهذا العراق الذي غزته أمريكا بتهمة اعترف كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنها كانت تهمة ملفّقة، شاهد حي على السلوك الإجرامي الشائن لدول تزعم أنها دول متحضرة ومدافعة عن القيم الإنسانية ومبادىء الحرية والعدالة ! ومازالت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تمارس هذا السلوك، وتستمر في انتهاج سياسة النفاق والكذب وتزييف الحقائق بل وارتكاب الجرائم ومنها الجرائم الكيميائية بحق المدنيين واستخدامها كأدلة لإدانة الدول المستهدفة والاعتداء عليها. ومن لا يتذكر قيام أمريكا وفرنسا وبريطانيا بذلك العدوان العسكري الغاشم على سورية بحجة الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما عام 2018 ، والذي ثبت للعالم كله أنه نُفّذ من قبل إرهابيي النصرة والخوذ البيضاء وبدعم من تلك الدول نفسها…
على أن هذا السلوك الإجرامي الذي لا يقيم وزناً لأي اعتبارات قانونية وأخلاقية وإنسانية، والذي يعكس الوجه المتوحش للغرب عموماً، وأمريكا بشكل خاص إنما يساهم في فضح حقيقة هذا الغرب، وينزع عنه ورقة التوت التي يحاول إخفاء حقيقة انحطاطه بها، كما يدق مسماراً إضافياً في نعش هيمنة وغطرسة وعدوانية ووحشية أمريكا.
صحيح أن الولايات المتحدة مازالت قادرة على ممارسة أسوأ أنوع العدوان العسكري والاقتصادي على الدول المستقلة، ومازالت مستمرة في اللعب بكل الأوراق بما فيها الأوراق المحروقة كورقة استخدام السلاح الكيميائي في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي والضمير الإنساني، لكن مقاومة هذه الدول المستهدَفة وفي مقدمتها سورية، تثبت يوماً بعد آخر أن القدرة الأمريكية آخذة في التآكل، وأن العودة إلى اللعب بالأوراق المحروقة ليست سوى دليل إضافي على أن هيمنة أمريكا على العالم في طريقها إلى النهاية الحتمية.
محمد كنايسي