اقتصادصحيفة البعث

“خفض أسعارك لإعادة عربة الأسعار إلى السكة” هـــل يجــــدي “اســــــتعطاف” قطـــــاع الأعمــــال للحـــــد مــــن تغـــــول الأســـــواق؟!

 

 

“الإصلاح الديني يحمل فوق رأسه النمو الاقتصادي”.. عبارة أطلقها عالم الاجتماع الشهير (ماكس فيبر)، في طريقه لتحليل اقتصاديات العصور الحديثة والوسطى في القارة العجوز (أوروبا)، ومعلقاً على الإصلاح الديني الذي شهدته ألمانيا في سعيها لإصلاح اقتصادها في العصر الحديث..
في إطار خططنا للإصلاح الاقتصادي.. لضبط الأسواق.. للتأثير على الأسعار.. لإعادة بعض الباعة والتجار إلى جادة الصواب، هل نحتاج فعلاً لخطاب ديني مختلف، وهل نتوقع أن تحقق الحملة الإعلامية التي أطلقتها وزارة الأوقاف قبل أيام – وحملت شعار “الدين أخلاق.. زكاتك خفض أسعارك” – نجاحاً في لجم الأسعار؟ وما رجع الصدى الذي يمكن أن تتركه لدى قطاع الأعمال..؟ لنرَ..

الأوقاف تدخل على الخط..
“لا نملك سوى الكلمة الطيبة”.. تعليق وزارة الأوقاف على الحملة، هي إشارة مهمة لتحريك الوازع الديني- الأخلاقي لدى قطاع الأعمال ليبقي هامش ربحه في الحدود الدنيا؛ لأن الأولى طلبت من الثاني أن يخفض كل تاجر أو بائع سعر سلعة أو اثنتين، أو أن يضحي ببعض الأرباح للحد من الارتفاع غير المقبول لأسعار السلع والخدمات، وحددت الوزارة مقياساً للتعاطي والتفاعل الحقيقيين مع الحملة، بأن يضع التجار شعار الحملة على واجهة محالهم تفعيلاً وترويجاً لها..

تعاطٍ أولي..
تفاعلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مع الحملة على نحو إيجابي، وبدأت نتائج هذا التفاعل تظهر في دفع بعض التجار للتعاطي مع أهداف هذه الحملة، حيث قدمت بعض الفعاليات التجارية تخفيضات على بعض السلع، إذ قدمت مبادرة حي الميدان حافلة لنقل الركاب مجاناً، وثمة مبادرات أخرى متفرقة ومحدودة.. وقدم مجمع العثمان الطبي – وهو مجمع وقفي خيري يتبع للأوقاف – خدمات طبية وعلاجية، منها: المعاينة في عياداته جميعاً، وتصوير إيكو، وغسيل الكلى، وصرف الأدوية المتوافرة وفق الإمكانات، والتصوير الشعاعي والطبقي المحوري والتحاليل بسعر التكلفة، ولمدة شهر كامل.

لا يقاس بالعواطف
عموماً، لقيت الحملة ترحيباً من رجال الأعمال الذين استمزجت “البعث” آراءهم، بيد أنهم لفتوا إلى أهمية أن يعي مؤيدو الحملة والمستهلكون أن ارتفاع الأسعار ليس كله ناجماً عن رغبة التاجر في تحقيق الأرباح، بل ثمة تكاليف عالية فرضها تذبذب سعر الصرف، الذي لم تسلم من تأثيراته حتى تلك السلع المنتجة محلياً؛ لأنها تعتمد بشكل أو بآخر على مدخلات مستوردة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل والعمالة وغيرها..
يقول عضو مجلس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق إن فكرة الحملة جيدة ومهمة، بيد أن التأثير العاطفي، سواء أكان دينياً أم غير ديني، لا يمكنه أن يحكم النشاط التجاري المحكوم بجملة من العوامل والمحددات، التي لا بد من توافر حدود دنيا منها، يمكن معها الحديث عن تخفيض أسعار السلع والخدمات، ويأتي في مقدمتها تحديث القوانين والتشريعات الناظمة لبيئة العمل، والمساعدة في تشجيع التصدير وفتح أسواق خارجية، وتعزيز تنافسية الإنتاج المحلي وغيرها..
ويشير الحلاق إلى أن وضع الناس كان من الممكن أن يكون أكثر سوءاً، لولا المبادرات الخيرية الكثيرة التي يطلقها قطاع الأعمال من حين لآخر، مستشهداً بدعمه للجمعيات الخيرية، وللمشاريع الاجتماعية والتنموية المختلفة، وكيف جر رجال الأعمال، ذات يوم، مياه الفيجة إلى دمشق، وبنى هذا القطاع المشافي والمدارس، وأسهم في بناء الجامعات، فهذا القطاع يستشعر، وبشكل دائم مسؤولياته التنموية والاجتماعية تجاه المجتمع الذي ينشط ويستثمر فيه..

يتقاطعان عند (حلال)
يمكن القول إن الديني يلتقي بالاقتصادي عند المنتجات والخدمات التي تستخدم شهادة (حلال)، والتي أخذت تشق طريقها إلى الأسواق المحلية في الآونة الأخيرة على نحو متسارع، وهي غالباً لمنتجات غذائية كاللحوم والدواجن، حيث تشير إلى ما يمكن تسميته (مزايا الحلال) من قبيل: أنها مذبوحة بطريقة شرعية، وخالية من الكحول أو من بعض الإضافات، إلى جانب عديد المنتجات المتعلقة بالمصارف الإسلامية وشركات التأمين التكافلي وغيرها..
ويرى مراقبون أن هذه المنتجات، تفتح آفاقاً تسويقية جديدة أمام قطاع الأعمال المحلي، إذ بدأت الشركات تتبع طرقاً جديدة في التسويق، وذلك عبر الاتكاء على الجانب الديني، الذي يجعل من بعض شرائح المستهلكين المقتنعين بهذا النوع من السلع والخدمات يقبلون على شرائها وحيازتها. حتى باتت كلمة (حلال) توضع على العبوات والأغلفة المختلفة إلى جانب العبارات التسويقية الأخرى، مثل (خالٍ من الكوليسترول) و(الآيزو) و(المواصفة القياسية) وغير ذلك..
وتتباين آراء المستهلكين حول هذا النوع من المنتجات، ففي الوقت الذي يراها بعضهم أنها مهمة لخلق الثقة في المنتجات التي يستهلكها، ولا سيما ما يتعلق بطريقة الذبح والإضافات، فإن البعض الآخر يشكك في نية بعض القائمين على المنشآت لجهة الاعتماد على هذا التوجه في خلق منافع وأرباح، دون أن يراعوا الاشتراطات الحقيقية عند التصنيع، أو أنهم لجؤوا إلى هذا النوع من التسويق أسوة بما هو معمول به في الأسواق الإقليمية والعالمية، حيث الانتشار الواسع لـ (حلال)، خاصة لدى الجاليات العربية والإسلامية حول العالم..
وتشكّل الأغذية الحلال حسب منتدى الحلال العالمي في ماليزيا نحو 17 بالمئة من مبيعات المواد الغذائية حول العالم، ويشير الخبراء في مجال الصناعات الغذائية إلى أنّ قوة هذه السوق نحو تنامٍ دائم، وأنَّه ليس هناك قطاع آخر في الأسواق الغذائية ينمو بسرعة هذا القطاع، كما يتوقَّع هؤلاء أن مبيعاته في أوروبا وحدها تتجاوز 550 مليار دولار.
أحمد العمار