ثقافةصحيفة البعث

الفن التشكيلي السوري في غيبوبة

 

بدا واضحاً أنه ما كان بالإمكان الحديث عن حال التشكيل السوري اليوم دون الحديث عن الحرب وتأثيراتها، حيث بينت د.بثينة علي في اليوم الأخير من أيام الفن التشكيلي السوري التي أقيمت على مدار ثلاثة أيام في كلية الفنون الجميلة أنه وبعد أن كنا نعيش الحرب ونتألم من أجل الآخرين جاءت ومسَّت أجسادنا وأرواحنا، وأحدثت انقلاباً في حياة بلدنا الذي كان ينشد الاستقرار، مشيرة ومن خلال تجربتها الشخصية وكنموذج للفنانين الذين عاشوا في سورية سنوات الحرب إلى أنها وكمعظم السوريين كان التحدي أن تمارس حياتها العادية في ظل ظروف صعبة، وقد كان عملها في كلية الفنون الجميلة المنفذ الوحيد لها للاتصال بالفن، مبينة أنها حاولت أن تخرج الطلاب من تأثير الحرب عليهم، ولكنها أخفقت كما أخفقت محاولاتها مع نفسها، فكانت في كل مرة تدخل مرسمها تشعر أنها غريبة عنه ولا تجد في لوحتها إلا الحزن والدمار والشهداء وتوثيق ما يحدث، وما زال الأمر كذلك، متمنية أن يلوح ضوء في الأفق لعلها تستطيع أن تكون حجراً في بناء هذا الوطن وأننا كما قال سعد الله ونوس محكومون بالأمل، حيث يبقى الأمل موجوداً عند جيل الشباب لإعادة البناء.

ذكريات
وما بين اليوم والأمس وكشاهد على مجريات الحركة التشكيلية في سورية عاد الفنان إلياس زيات إلى ذاكرته، مستحضراً منها ما قد يفيد الحاضر، وأول ذكرى له كانت الحديث عن معرض الخريف الذي أقيمت دورته الأولى عام 1950 في متحف دمشق الوطني، متحدثاً عن الصورة التي رافقت حضارات بلاد الشام وكانت معبّرة عنها إلى أن اخترعت الكتابة وكيف كان الفن مثل الخبز وسيلة للحياة اليومية في أدوات العمل والزينة، مشيراً إلى بدايات التشكيل في سورية، مبيناً أن الحركة التشكيلية بدأت حين أسس بعض الناشئة مرسماً في شارع العابد بدمشق عام 1940-1947 وكان يتردد عليه أساتذة وخريجون كمحمود جلال خريج إيطاليا وميشيل كرشة خريج فرنسا الذين كانوا يوجهون الشباب، وكانت اللوحة تعني لهؤلاء الصور الواقعية، وهذا ما تثبته مقتنيات متحف دمشق الوطني الذي عمل فيه زيات لفترة طويلة وهي في مجملها لوحات تصور الواقع المرئي وبعض الأحداث التاريخية كلوحة سعيد تحسين “معركة حطين” التي صور فيها استسلام الصليبيين أمام صلاح الدين الأيوبي، مؤكداً زيات أنه تعلم من ميشيل كرشه الكثير وقد رافقه لمدة ثلاث سنوات قبل سفره، وبعد عودته من فرنسا في عشرينيات القرن الماضي اتجه للفن الانطباعي وكان يماثل كبار الانطباعيين في فرنسا، ومن الانطباعيين الذين اتبعوه كان نصير شورى، كما توقف زيات عند التجارب الحديثة حالياً، معجباً بتجربة أحمد معلا ونزار صابور الذي قدم الأيقونة الدينية بأسلوب جديد ومعاصر، مشيراً كذلك إلى تجربة بثينة علي، وخاصة في معرضها “مراجيح” ورأى أنها تملك فكراً مجدداً في الفن، ولولا الحرب لنفذت مشاريع كثيرة.

استعراض غير منظم
أما د.عهد الرجوب فبيّن أنه من أتباع وأنصار الصورة، ورأى أن كل فنان سوري موهوب ومبدع، وأن الحركة التشكيلية السورية قدمت تجارب وصوراً فنية رائعة، ومع هذا يأسف لأن الفن حتى اليوم لم يتحول إلى حاجة ضرورية في المجتمع، وفشل في أن يشكل نوعاً من الحماية للمجتمع السوري، وهذا ما تكشَّف في فترة الحرب في ظل انتفاء وغياب الوعي والانجرار وراء القبح، وتوضيحاً لفشل الفن في محاربة طغيان القبح المستشري تحدث رجوب عن الوعي الجمالي، ورأى أنه نوعان: فردي ومجتمعي، ونحن ما زلنا نمتلك الوعي الفردي الابتدائي، ونشاط فنانينا ما زال نشاطاً فردياً، وهذا ما جعل الفن والإنتاج الفني بعيداً عن المجتمع، لذلك يؤكد رجوب أن الفن التشكيلي السوري على الرغم من نضوجه ومستواه إلا أنه يعيش حالة غيبوبة باغترابه عن المجتمع والاقتصاد والسياسة، وحتى عن الطفل وأن الجعجعة التي نراها اليوم ليست سوى استعراض غير منظم، مشيراً إلى تجربة الفن التشكيلي في روسيا التي درس فيها وكيف هو غذاء حقيقي للروح وحاجة أساسية للفرد بفضل العديد من السياسات، وأهمها أن حصة الرسم في مدارسها تعادل حصة الرياضيات.. وختم الرجوب كلامه مؤكداً أنه آن الأوان لأن نكون في المقدمة، داعياً الفنانين للعمل والخروج من قواقعهم باتجاه المجتمع والناس.

الفن صناعة
وأكد الفنان طلال معلا أن الفن التشكيلي السوري في غيبوبة، فالكل يقلد ويعبّر عن أمور ليست أمورنا، دون أن ينكر أننا نمتلك الخبرات والمواهب، ولكننا نفتقد للأدوات والبنى التحتية، فلا متاحفنا كافية ولا صالات العرض في دمشق وافية، مشيراً إلى غياب المختص وبرامج الارتقاء الثقافي وعدم الاهتمام بحصص الرسم في مدارسنا وعدم وجود متحف معاصر ومن الضروري أن يكون قبلة لطلابنا الذين لا يزورون ما هو موجود من متاحفنا، ولهذا نشأ دون ذاكرة، وهي مشكلة تربوية كبيرة، معترفاً معلا بوجود مجتمع تشكيلي يعرف بعضه ولا يمتد لأبعد من ذلك، في حين أن الفن صناعة ومرتبط بالسوق، كما أن الثورة الالكترونية غيَّرت في المجتمع وطريقة تلقي الجمهور للفن.
وخُتِمَت الندوة التي أدارها الفنان أكسم طلاع بحضور عدد كبير من طلاب كلية الفنون الجميلة بمداخلة للفنان والناقد سعد القاسم الذي أكد أنه لا تأثير للتشكيل في المجتمع، ففنانونا منفصلون تماماً عن المجتمع، وهم يفتقدون للحاضنة الاجتماعية،وبالتالي فإن الفنان منقطع عن المجتمع.
أمينة عباس