دراساتصحيفة البعث

أعياد تحت الحصار

ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

يعتبر قرار الاحتلال الإسرائيلي، حصار الفلسطينيين المسيحيين في غزة في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية مؤخراً، بمثابة مقدمة لخطة، تبدو ذات طبيعة متناقضة وتهدف لاستنزاف إرادة البقاء لديهم.
يتملك المسيحيين في غزة في فترة الأعياد هذه شعور متزايد بالحصار أكثر من الأعوام السابقة، إذ رفضت سلطات الاحتلال إعطاء الغالبية العظمى من المسيحيين في الجيب والبالغ عددهم 1100، تصريحات للسفر إلى الضفة الغربية في موسم الأعياد.
هذه السنة، لم يُسمح لأي شخص بقضاء الأعياد مع أقاربه في بيت لحم أو القدس أو الناصرة، أو زيارة الأماكن المقدسة في الضفة الغربية والمدن الفلسطينية الأخرى. وبذلك اضطروا للاحتفال بالأعياد في ما يطلق عليه السكان المحليون بـ “أكبر سجن في العالم”.
لقد أصدر الكيان الصهيوني 100 تصريح للسفر إلى الخارج عبر الأردن،
لكن حتى تلك التصاريح تعتبر، على الأغلب، عديمة الفائدة إذ تتم الموافقة لفرد أو اثنين فقط من كل عائلة، ومن غير المرجح أن يختار أحد الوالدين الاستمتاع بعيد الميلاد بعيداً عن بقية أفراد الأسرة.
وكما هو الحال دائماً، بررت سلطات الكيان الصهيوني، قرارها لأسباب أمنية. لكن لا أحد يعتقد حقاً أن المسيحيين في غزة يشكلون أي نوع من التهديد على آلة جمع المعلومات العسكرية والاستخبارية العملاقة.
في الواقع، تقلص عدد المسيحيين الفلسطينيين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويرتبط هذا الانخفاض بشكل رئيسي بعوامل متعددة.
منها، انخفاض معدل الولادات، أي أن المسيحيين تقلصوا كنسبة من إجمالي السكان. والأهم من ذلك، فرار المسيحيين من الاضطهاد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي عليهم كما على أشقائهم المسلمين.
في الواقع، بدأ تقلص عدد المسيحيين، في الأراضي المحتلة منذ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 “النكبة”. إذ كان المسيحيون، الذين عاشوا تاريخياً في المدن الرئيسية في فلسطين، من بين الأهداف الأولى لعمليات التطهير العرقي للقوات الإسرائيلية الجديدة.
منذ ذلك الحين، يلجأ سكان الضفة الغربية والقدس وغزة إلى الفرار جراء عقود من الاحتلال، وتدل المعاملة الحالية لمسيحيي غزة على حجم الكذب الذي تدعيه “إسرائيل” من حماية المسيحيين في الوقت الذي تحرمهم من التصاريح لسببين لا علاقة لهما بالأمن.
ويذكرنا ما يحدث مع مسيحيي غزة، الذين تربطهم صلات أسرية بأقارب لهم في الضفة الغربية وبقية المدن الفلسطينية، بحالة الحصار التي تطال كل الفلسطينيين لتفريقهم بالقوة وسجِنهم في أحياء معزولة مغلقة منذ وجود الكيان الصهيوني أي منذ71 عاماً.
يحاول الاحتلال، تقديم غزة ككيان إرهابي بغيض على عتبة “إسرائيل”، وفي الوقت نفسه، يتم تصوير الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية كمركز للانبعاث الوطني لليهود.
ويشعر رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو واليمين الاستيطاني بالخوف من أن نهجهما الشوفيني وإتباع نهج حصري قد يتم تقويضه بخطاب مسيحي مضاد. ويمكننا القول هذا هو السبب وراء محاصرة مسيحيي الضفة الغربية والمواقع المقدسة في القدس الشرقية وبيت لحم – بجدران خرسانية – كما هو حال المسيحيين في غزة الذين تعاملت معهم إسرائيل كتهديد خطير خدمة لأغراض رواياتها الملتوية عن صدام الحضارات.
حاول المسيحيون الاستفادة من فرصة الفرار من غزة إلى الضفة الغربية، حيث تكون القبضة الإسرائيلية أقل وطأة والتواجد العسكري أقل خطورة بعض الشيء.
إلا أن الاحتلال باحتجازه أفراد الأسرة الذين حُرموا من التصاريح هذا العام كرهائن، احتفظ ببوليصة تأمين تضمن عودة هؤلاء القلائل الذين سمح لهم بالمغادرة.
الأسباب التي تجعل المسيحيين في غزة يريدون الفرار متعددة، فحالهم كحال المسلمين هناك، معظمهم يائسون من الخروج من هذا الحصار الذي يدخل عامه الرابع عشر.
إننا على مشارف العام 2020 ، وهو العام الذي حذرت الأمم المتحدة قبل عدة سنوات من أنه سيكون العام الذي تصبح فيه غزة “غير صالحة للحياة” إذا لم تقم “إسرائيل” بتغيير مسارها.
اليوم أصبح واضحاً أن هذا التوقع كان صواباً، إذ تتفشى البطالة والفقر، تكتظ المدارس إلى درجة الانفجار، وتفتقر المستشفيات إلى الأدوية ، إمدادات الطاقة في حالة يرثى لها. تغرق الشوارع من سيول الصرف الصحي التي تتدفق إليها بعد هطول أمطار غزيرة في الشتاء، ومياه الشرب ملوثة بحيث تشكل خطراً على صحة البشر. والبنية التحتية والكثير من المنازل في حالة خراب أو انهيار نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة.
بالنسبة لشباب غزة العاطلين عن العمل، فإن المستقبل لا يزال أكثر كآبة، ويبدو أنه من غير المحتمل أن يتمكن الجيل القادم من بناء منازل خاصة بهم أو تكوين عائلات مستقلة.
بعد 14 عاماً تقريباً، يعاني سكان غزة من هزال متزايد جسدياً ومالياً وعاطفياً وروحياً وهي النتيجة الحتمية لسياسة الاحتلال الذي يسعى لتهجير الفلسطينيين، وضخ الخوف في أرواحهم، وإجبارهم على التفكير فقط بلقمة العيش وتأمين حاجاتهم اليومية من أجل البقاء.
تم تطبيق هذا الحصار الخانق لاستنزاف إرادة البقاء لديهم، ومن خلال إبقاء جميع سكان غزة تحت الحصار في عيد الميلاد هذا العام، تأمل إسرائيل أن تحصل بعد بضعة أعياد الميلاد على الهدية التي تسعى إليها جاهدة وهي نزوح معظم الفلسطينيين في الجيب، لتجعلهم مشاكل للغير.