ثقافةصحيفة البعث

فقـــــــــط فــي ســــــــــــــــــوريـــة

فقط في سورية، تستطيع أن تلقي الصباح على ما شئت من الشوارع والطرقات، وستتلقى الرد حتما.
في سورية كل الاتجاهات واحدة تأخذك الى الحب، في سورية تتسارع الفصول اليك حتى تحضنك، فإما تتعبك بقسوتها أو تمسح جبين تعبك بحنو، ينسيك القسوة والتعب.. في سورية شعب طيب، جرب أن تطرق أي باب فيها، وبعد أن يطمئن اليك أهله، لن يتردد أحدهم في تقديم اي مساعدة، ولربما صارت بينك وبينهم ألفة وصداقة وربما مصاهرة.
في سورية كل العشاق يشبهون بعضهم، من حيث الفكرة، حتى أن النساء اللواتي ينتظرن عاشقا يأتي، يعلمن أي شيء سيقول أو يفعل وهن يتصنعن الدهشة! وكذلك كل العاشقات القادمات. في سورية أغلب “الحموات والكنات”، على طرفي اختلاف غامض بودٍ كبير، في كل المدن وضمن كل مكونات هذا البلد الأمين.. في سورية للغيرة طعم واحد وردود أفعال متشابهة، من حيث التأثير والمنطق؛ فيها فقط حتى الخارجين عن القانون طيبون، ولربما ظرف ما دفعهم الى ما صاروا عليه، ولكن لنسأل كيف يحبون أطفالهم وهنا اتوجه لأي أبٍ منهم، أن انظر بعين أبنائك، وسترى أن العود الى الصواب احمدُ.
في سورية فقط تستطيع أن تفتح اي حديث، على إشارة مرور في طابور طويل من الأبواق المستعجلة، حديث ودي تفتحه بسبب الازدحام، مع سائق السيارة المجاورة، أو وأنت تقف في الدور، إن كان على الفرن أو سيارة الغاز، أو محطة البنزين، فلا حاجة لأية مقدمات، فأغلب الهموم واحدة.
في سورية تستشعر المحبة كجندي في كلمة “الله يحميك”، وقد تأخذك الى الحياة الأخرى، لتحرر أرضا من احتلال، أو أشخاصا وثقوا بك من موت، أو طفلا من خطف، وهذا مثاله جيشٌ عربيٌ سوري هو نسيج من كل اطياف البلاد، وهو خير مثال عن البلاد وشعبها وقائدها، قد يأخذ منك الضيق مبلغا في وقت ما، إلى مراودة فكرة أنت تعلم مسبقا أنها لا تشبهك، كأن تقرر ألا تتابع أخبار منتخب البلاد لكرة القدم، بعد خذلان ما، لكنك وبلا وعي ستسأل عن نتيجة أي مباراة يخوضها.
في سورية فقط سنقدم هدايا وأغلبها بلوريات، لجار نجح أحد أبنائه في الشهادة الإعدادية مثلا. في سورية فقط للمتة ذات الطقوس وللقهوة أيضا، ومهما قلدنا الغرب بمأكولات تحمل أسماء غريبة، سيبقى الفول والفلافل واليبرق والمحاشي سيد الموائد التي نتفاخر بعزيمةٍ ما عليها.
هل فكرت مثلا أن تدعو ضيفا تحب الى غداء في بيتك، وتقدم له “الكوردن بلو”، أم أنك ستفاجئه بطنجرة يبرق أو برغل بحمص؟ وغيرها من أكلات هذه البلاد الطيبة.
في سورية حبنا ثابت رغم التعب، سترى أنك وبعد كل خبر جيد، عن قرار صدر أو سيصدر، لصالح معيشة المواطن، ستعود لقلبك مهما بلغ غضبك من قبل..في سورية فقط سترى أن للسر مفهومه الخاص، فليست مشكلة أبدا، أن يعرفه الجميع، على ألا يعلم صاحب السر، أن الجميع يعرف، وتلك فلسفة من نوع خاص، نستطيع أن نخرج منها بنظريات عن الطب النفسي، ونضع فرويد وغيره من علماء النفس على الرفّ.. في سورية فقط، وعندما يصادف وقوفك على إشارة مرور يقف شرطي عندها، أنت لن تسير ولو اصبحت الشارة خضراء، حتى يعطي الشرطي إشارة بالسماح لذلك، ولن تعرف السبب أو لن تهتم، فهو في عمله، ويعلم ماذا يفعل، كما أنك تستطيع بسهولة أن تتنبأ من يقود السيارة التي أمامك، إن كانت سيدة فهي سترهقك بالتردد عند كل مفرق، وبالإشارات الضوئية المتعاكسة المعنى التي تصدر عن سيارتها.
في سورية فقط، أنت محاط بفضوليين عند قيامك بعمل ما، ولن يفاجئك أنهم يعلمون أكثر منك ما يجب أن تفعل، ولكن هذا ليس فضولا، بقدر ما هو حب وود، فاسمع واشكر ممتنا كل تلك المودة.. في سورية سترى بسطات البالة، مكتظة بالناس وسترى أن بضاعتها ذات جودة ونوعية، تبحث عنها، ولو أبديت بعض الخجل من الموضوع، وفي حال حصلت على قطعة مميزة، ستجيب إذا سألك الأصحاب، من أين هذا القميص الجميل؟ وبفخر وصوت واثق ستجيب: “من البالة”.
في سورية سترى صفحات الجميلات على مواقع التواصل الاجتماعي، محشوة بطلبات الصداقة، وسترى صفحات لنساء غائمات، مثل “الوردة الجميلة”، أو “دمعة حزن”، “انوثتي في حضوري” وغيرها من تلك الأسماء الحالمة، ولن تدرك ولا بكل مفاهيمك، أي النساء تلك!
في سورية فقط سيبدأ الشاب المراهق، أو ذو الخبرة البسيطة في شؤون الغرام، باستمالة قلب حسناء ما بعبارة: (حاسك حزينة)، حاملا بتلك العبارة مفهوما آخر للرجولة، وكأنه يعدها بأنه سيزيل هذا الحزن ويحوله إلى باقة ورد، وهذا معترك رجولي ثقافي حديدي مريخي بآن، ولكنه يحمل طيبة خفية لكنها حقيقية..في سورية كل أعطال السيارات والآليات، لها حلول، حتى لو لم تتوفر قطع الغيار
في سورية حبٌ يا سادة، ولو لم نشعر به أحيانا، ولكنه حي يرزق، موجود مع كل خير قادم. لنحب بعضنا ولنتوسم الخير في كل الناس، ولنعمل ان تكون سوريتنا كما نحب، وقبل أن نلقي اللوم على أي جهة، لنبدأ بأنفسنا وأجزم أنه في اليوم الذي ندرك فيه، بثقافتنا العريقة، والوعي الجمعي العام الذي تربينا على مبادئه، أن هذه البلاد هي أعمدة أرواحنا، عندما يصبح هذا اليقين ناضجا في النفوس، وبثقافة ووعي يجمعنا على الخير، ستنتهي أغلب أزماتنا، فمن انتصر على كل هذا الظلام، سينتصر على كل الخطوب.

مجد علي بركات