اقتصادصحيفة البعث

اقترحت تعديل بعض السياسات الحكومية لتفعيل الدعم الزراعي.. دراسة رسمية تطرح ثلاثة سيناريوهات للاستثمار: “متشائم – حيادي – متفائل”

 

ثلاثة سيناريوهات للاستثمار خلال المرحلة القادمة “متفائل – متشائم – حيادي”.. طالعتنا بها دراسة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية، وتقّدر نسبة قيمة الناتج الإجمالي المحلي الزراعي المتنبأ بها حسب كل سيناريو إلى قيمته المحسوبة افتراضياً في حال لو لم تقع الأزمة أساساً. وتفيد النتائج حسب هذه الدراسة التي حملت عنوان “الانتقال من اقتصاديات الحرب إلى اقتصاديات السلم القطاع الزراعي نموذجاً” أن هذه النسبة لن تتجاوز 66 % في العام 2023 في حالة السيناريو المتشائم ما يعني عدم تمتع السياسات المطبقة بالكفاءة اللازمة بينما ستتجاوز نسبة الـ150% في حالة السيناريو الحيادي، وهو ما يعني أن سياسات إعادة البناء ستكون فعالة وناجحة، وتتجاوز نسبة الـ 200 % في حالة السيناريو المتفائل، وهو ما سيكون نجاحاً استثنائياً لسياسات إعادة البناء. وتخلص الدراسة –التي اطلعت عليها “البعث” إلى اقتراحات لتعديل بعض السياسات الحكومية التي كانت مطبقة خلال فترة الحرب ولاسيما تفعيل الدعم الزراعي، كما تقترح إعادة تفعيل التعاون الدولي الإنمائي والتحول على المدى البعيد من بلد يعتمد – إلى حد ما – على الخارج في مواده الأولية الزراعية إلى بلد يعتمد على إنتاجه الذاتي لتأمين هذه المواد اللازمة للإنتاج الزراعي والصناعات والغذائية.

غير كاف
وأوضحت الدراسة أنه خلال فترات النزاعات والحروب تتأثر جهود تحسين معيشة السكان عموماً والسكان الريفيين خصوصاً بالفقر الناجم عن منعكسات الأزمة، وإذا كان تدمير البنى التحتية والخدمات الضرورية للنشاط الاقتصادي كالنقل والكهرباء والمصارف الزراعية والمعامل يقود إلى ندرة في السلع وبالتالي تراجع في مستوى المعيشة وتفشي البطالة وارتفاع معدلات التضخم، فإن توقف الأعمال العسكرية لا يكفي بمفرده لتحسين الحالة الاقتصادية وعودة الحال إلى ما كان عليه قبل الأزمة، فلكي تنجح عملية إعادة تموضع الاقتصاد في فترة السلم يجب أولاً تقييم الظروف المحلية والفرص الاقتصادية، وتنظيم التعاون مع منظمات المجتمع المدني )المنظمات غير الحكومية)، والاستفادة من مشاريع الائتمان الصغير والمنظمات الدولية المعنية ومراكز التدريب، وتأسيس مثل هذه المنظمات التمويلية والمشاريع الإعمارية في حال عدم وجودها أو دعمها إذا كانت موجودة. وهنا من المهم أيضاً دعم القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار وخلق بيئة قانونية مناسبة للمشاريع، وفي حالة إعادة الإعمار بعد الحرب تعتبر كافة أنواع المشاريع مهمة وضرورية، سواء منها القصيرة أو المتوسطة أو الطويلة الأجل، فلكل منها وظيفة وغاية في إطار إعادة الإعمار.

أرقام ومؤشرات
وأشارت الدراسة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بحوالي 220 مليار دولار وبالتالي إذا تمكن القطر من تمويل جزء مهم من هذه التكلفة بالاستثمارات الخارجية تكون سياسة إعادة الإعمار تحقق عملياً نجاحاً ملموساً في الطريق نحو التعافي واستعادة النشاط الاقتصادي، وبحسب بعض التقديرات لو استمر معدل تدفق الاستثمارات كما كان قبل الأزمة بحيث نفترض أن الأزمة لم تقع أصلاً، لكان حجم الاستثمارات حالياً يتراوح بين 3 و 4 مليارات دولار أي ما يعادل 25 – 30 % من الناتج الإجمالي المحلي للعام 2016 بسعر الصرف الرسمي ) 12.4 مليار دولار بسعر صرف يعادل 460 ليرة للدولار( 12 كما تجدر الإشارة إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية إلى سورية كان قد وصل إلى ذروته في العام 2009 بقيمة تبلغ 2.57 مليار دولار ولكنه انخفض في العام 2010 إلى 1.48 مليار دولار ومن ثم إلى 0.8 مليار في العام 2011.
ويلاحظ من جهة أخرى ارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل مضطرد خلال الفترة بين العامين 2002 و2009 إذ كانت تبلغ 0.55 % في العام 2002 فصارت % 4.78 خلال العام 2009 وهي أعلى نسبة طيلة الفترة المذكورة.

المتغير الأهم
هذا وتعد القدرة على اجتذاب الاستثمارات المحلية والدولية هي المتغير الأهم المعبر عن كفاءة سياسات إعادة الإعمار المطبقة، وبمقدار نجاح هذه السياسات ستتمكن الحكومة من جذب الاستثمارات المحلية والدولية الصديقة، فإذا افترضنا أن الدولة قامت بالعمل على إعادة تأهيل البنى التحتية وإرساء قوانين وتدابير شفافة وإجراءات فعالة وسياسات مشجعة للاستثمار فسوف يساعد ذلك على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية، ولا سيما إن تم إيلاء موضوع الشراكة مع القطاع الخاص الاهتمام الكافي حيث سينعكس ذلك كله على زيادة معدلات استثمارات القطاع الخاص من جهة وما يسمى بال FDI أو الاستثمارات المباشرة الأجنبية من جهة أخرى، ويمكن إلى حد كبير اعتبار هذا المتغير ممثلاً عملياً لسياسات إعادة الإعمار.وبناء عليه وضعت الدراسة ثلاثة سيناريوهات مختلفة لهذا العامل لمراقبة انعكاس تغيره على الناتج الإجمالي المحلي الزراعي، السيناريو الأول “المتشائم” حجم الاستثمارات بعد 5 أعوام) أي في العام 2023 ( لا يتجاوز 0.5مليار دولار مع الإشارة هنا إلى أن الدراسة انطلقت من العام 2018 ، وهذا يعني قيمة أدنى من نصف قيمة الـ FDI قبيل الأزمة، ففي العام 2010 كانت قيمة الاستثمارات الأجنبية قد بلغت ما يقل عن 1.5 مليار دولار، أي أن الاستثمارات بعد 12 سنة من بداية الأزمة )وتتضمن افتراضاً 5 سنوات من انطلاق السلام والبناء( لم تعد إلى نصف القيمة التي كانت عليها بالرغم من أنها أصلاً لم تكن قيمة مرتفعة قياساً بما قبلها .
السيناريو الثاني “حيادي نسبياً”: حجم الاستثمارات بعد خمسة أعوام )أي في العام 2023 ) بحدود 1.5 مليار دولار، وفي هذه الحالة تكون الاستثمارات قد عادت إلى القيمة التي كانت عليها في العام 2010أي قبيل الأزمة، ولكن هذه العودة تكون قد تحققت في العام 2023 ، أي بعد 12 من الأزمة وانطلاق الإعمار .
السيناريو الثالث “متفائل”: حجم الاستثمارات بعد خمسة أعوام أي في العام 2023بحدود 3.5 مليارات دولار، وفي هذه الحالة تكون الاستثمارات قد عادت إلى القيمة التي كانت لتكون عليها في العام 2016فيما لو لم تقع الأزمة ولكن هذه العودة تكون قد تحققت في العام 2023 ، أي بعد 7 سنوات من السنة التي كانت لتكون عليها لو لم تقع الأزمة.
وفي الوقت الذي يمثل فيه السيناريو الأول ضعفاً وبطئاً في عملية إعادة الإعمار بافتراض انطلاقها في العام 2018 ويشير إلى وجود حاجة واضحة لتعديل السياسات المتبعة، فإن السيناريو الثاني يشير إلى نجاح معقول لتلك السياسات لأنه يعيد قيمة الاستثمارات إلى ما كانت قبل الأزمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، أما السيناريو الثالث فهو يمثل نجاحاً كبيراً بتجاوز منعكسات الأزمة لأنه يعيد قيمة الاستثمارات إلى ما كانت لتكون عليه في العام 2016 ولكن بتأخير 7 سنوات، وهذه تأتي لتتغلب على منعكسات 7 سنوات أزمة.

طرق عاجلة
أدت الأزمة الراهنة والظروف السلبية التي فرضتها على الاقتصاد الوطني والعقوبات المفروضة من الغرب، إلى دفع الحكومة السورية للبحث عن طرق عاجلة لتحويل اقتصاد السلم إلى اقتصاد حرب، وبعد مضي أكثر من سبع سنوات على بدء الأزمة بدأت تبرز الحاجة إلى الشروع بتطبيق سياسات إعادة إعمار سورية ووضع أسس استراتيجية لهذه السياسات من خلال الانتقال من اقتصاد استثنائي فرضته ظروف الأزمة والحرب إلى اقتصاد ديناميكي، مهمته هي المساهمة بإرساء السلام وجعله مستداماً، وفي هذا الإطار تواجه الحكومة جملة من التحديات الراهنة أبرزها تراجع الناتج الإجمالي المحلي – هبوط معدلات التشغيل في القطاعات الإنتاجية – تراجع المدخرات الوطنية – تدمير في البنى التحتية – انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار – ارتفاع معدلات التضخم -المشاكل المالية والقانونية المرتبطة بالأصول المجمدة.

مراحل متداخلة
وخلصت الدراسة إلى أن إطار إعادة البناء في مرحلة ما بعد الحرب يتألف من ثلاث مراحل متداخلة وغير منفصلة هي مرحلة الاستجابة المبدئية – مرحلة التحول أو الانتقال – مرحلة رعاية الاستدامة. وبالإجمال تشمل عملية التعافي الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الإعمار بناء القدرات المؤسساتية، والاهتمام بمكافحة الفساد خاصة في المرحلة التأسيسية . و إصلاح البنى التحتية الفعلية من طرق وجسور ومشاريع ري وشبكات طاقة كهربائية،و إعادة تأهيل الأراضي الزراعية الملوثة والمتدهورة نتيجة الأزمة ووضعها في الخدمة مجدداً. وتشغيل الأفراد وتوفير فرص العمل وتقديم التدريب الضروري للمشتغلين والراغبين بالعمل. وتوفير البيئة التشريعية والإدارية الملائمة للأعمال والاستثمارات. و توفير الخدمات المالية بشكل كامل وخاصة في المناطق الريفية والبعيدة. وهيكلة الاقتصاد الزراعي بالاستناد إلى زراعات تقليدية وجديدة مربحة ومجدية. وتشجيع الصناعات الوطنية الغذائية ودعم المشاريع الإنتاجية والصناعية والتجارية الجديدة .وتحقيق الرفاهية الاجتماعية من خلال نظام خدمات اجتماعية فعال.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com