ثقافةصحيفة البعث

الفن أكبر من ذلك

 

جلال نديم صالح
في لقاء مع أحد الفنانين التشكيليين على إحدى المحطات الإذاعية والتي خصص جزء منه للحديث عن واقع الفن التشكيلي في بلدنا، رأى الفنان أن واقع هذا الفن ليس بأفضل حالاته وقارن ذلك مع فترة زمنية سابقة كان فيها مزدهراً، فمن أهم الأسباب التي ذكرها الضيف والتي كانت عاملاً مهماً في نهضة الفن التشكيلي سابقاً هو امتلاك إحدى طبقات المجتمع للمال ولم يوضح ما العلاقة بين ذلك ونهضة الفن؟ هل قصد أن الطلب على اللوحات والرغبة في اقتنائها من قبل من يملكون المال هو من حقق النهضة وهو الذي شكل دافعاً للفنان ليقدم الأفضل؟ أعتقد أن كثيرين لو تابعوا اللقاء سيفهمون أن الضيف قصد ذلك ولا مجال لقراءة ما سبق بطريقة مختلفة، لكن لو تبنينا هذه النظرية وأخذنا بها هل سنكون منصفين بحق اللوحة التشكيلية والفنان معاً؟ باعتقادي لا يمكننا أن نحجم الفن التشكيلي بهذه الطريقة التي تجعل منه مجرد سلعة فقط، خاضعة للعرض والطلب وحاجة السوق لأننا بذلك نجرده من أي قيمة أخرى حيث يغدو الفنان التشكيلي مجرد شخص يمتلك حرفة ويعمل من أجل المال فقط، ولو كان الأمر كذلك لما رأينا الكثير من الفنانين على مستوى العالم قد استمروا في العطاء رغم ظروفهم المادية الصعبة، ومنهم من نال الشهرة في فترة متأخرة وبعضهم بعد أن رحل، ولو كان دافعهم ومحرضهم لتقديم نتاجهم المال فقط لكانوا توقفوا وتحولوا إلى مجال آخر أكثر ربحاً.
بالتأكيد قد يكون للمال دور في التشجيع على إقامة المعارض وتحريك السوق الفني وقد يحقق “نهضة فنية”، لكنها غالباً ستكون على مستوى الكم فقط وهي ليست نهضة بالمعنى الحقيقي إن لم تقترن بالنوع أيضاً، وما أريد قوله أن الفن التشكيلي ليس مجرد حرفة بل هو أوسع وأعمق من ذلك بكثير ومن الطبيعي أن يمر كغيره بفترات من الازدهار أو التقوقع لكن ذلك لا يعني أنه فقد قيمته وأهميته لأنه يستمد قيمته الأساسية من ذاته كفن، ولو كانت قيمة الفن التشكيلي تقاس بالكم وبعدد المعارض وبحركة السوق فقط لما كانت أعداد اللوحات التي دخلت التاريخ تعد على أصابع اليد الواحدة.