ثقافةصحيفة البعث

جوان قرة جولي يحاضر عن الموسيقا البيزنطية

 

من مقولة الفارابي”الموسيقا هي الإحساس بالزمن” بدأ عازف العود وأستاذ الموسيقا والباحث بعلوم العلاج بالموسيقا جوان قرجولي محاضرته عن الموسيقا البيزنطية بالتعاون مع مشروع دار المدى الثقافي في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وقد اعتمد قرة جولي على شرح وتحليل الموسيقا البيزنطية التي استخدمت في الصلوات المسيحية بالغناء الإفرادي والجماعي للأناشيد المستمدة من المزامير فاكتسبت روحانية البعد الديني بالغناء الجاد من خلال الإصغاء إلى الموسيقا البيزنطية البحتة والموسيقا البيزنطية بالتراتيل المرتبطة بالنظام الكنسي.
استهل قرجولي المحاضرة بالتوقف عند التراث وأهمية تقديمه بشكله الأمثل بحيث يصل إلى المتلقي بأبهى صورة، وبأن محاولات تحديث التراث قد تأتي بنتيجة عكسية لاعتماد هذه المحاولات على التحديث الأكاديمي البحت والابتعاد عن جذور الموسيقا الأصلية، فحملت محاضرته رسالة إلى الموسيقيين والفنانين بتقديم التراث بأمانة والحفاظ على العناصر الأساسية في الموسيقا، وهي اللحن والإيقاع والانسجام، منوّهاً إلى خطأ من يعتقد بأن موسيقانا لا تحتوي على البعد الثالث الانسجام أو ما يسمى أكاديمياً بالهارموني.
وتعد الموسيقا البيزنطية من أقدم أنواع الموسيقا على الإطلاق، وهي تلتقي مع الموسيقا الشرقية من حيث البناء والروح وتختلف قليلاً من حيث الأداء، مع العلم بأن الموسيقا البيزنطية تعمل على السلم الفيثاغورثي الآكادي مما يجعلهما متشابهتين، وتوجد محاولات لتطوير الموسيقا البيزنطية لكن اتجهت باتجاه الأكاديمية البحتة مما أفقدها روحها الأساسية. وتستخدم في التراتيل المتبعة بالكنائس وفق النظام الموسيقي الكنسي كما في كنائس قبرص واليونان وأوروبا، أو كموسيقا بحتة.
وعن التشابه بين الموسيقا البيزنطية والآكادية من حيث السلم الموسيقي أضاف قرجولي بأن أجمل ما يميز الموسيقا البيزنطية فنّ المقام، وأوضح خصوصية المقام والسلم والنغمة، فالمقام ليس السلم أو النغمة، متوقفاً عند الفروقات اللحنية الطفيفة والمؤثرة بالنغمات التي تلوّن اللحن، فقد تكون نغمة صبا، أو نغمة حجاز، أو نغمة نهاوند، أو رصد موضحاً بالإصغاء إلى النغمات الفرق بين نغمة الصبا التي تعبّر عن لحظة الحزن، وبين نغمة الحجاز الحاملة معنى الذكرى الحزينة. وتحدث عن الاختلاف بين الكتابة للموسيقا البيزنطية الأكاديمية وبين الكتابة للترتيل التي تعتمد على الدرجات الموسيقية الصوتية بالارتفاع والهبوط، ويتطلب الترتيل من المرنم فنية كبيرة حتى يكون الأداء صحيحاً ونابعاً من القلب ومؤثراً.
وبدأ تأثير الموسيقا البيزنطية القوي والرخيم يتسرب إلى داخل الحاضرين ويسري مع الإحساس بالسكينة والروحانية منذ الإصغاء إلى الترتيل الأول بصوت ثنائي دون موسيقا، فأخذ أحد المرنمين اللحن الأساسي –الباص- الرخيم والآخر اللحن المرافق. ويتضح الترتيل أكثر بالكورال للحن ارتجالي من مقام السيكا البيزنطي مع حضور آلة القانون، وبيّن قرة جولي بالتحليل الأداء المختلف بالأصوات للكورال.
ثم عرض موسيقا بيزنطية مع الأوركسترا مبيّناً أن نظام الأوركسترا لا يقبل إي نوع من الإضافات. ليخلص إلى التمسك بالجذور الموسيقية لكل أنواع الموسيقا السريانية والبيزنطية والآكادية والشرقية والعربية.

بين التصويرية والكرتونية
ولم تلتزم مداخلات الحاضرين واستفساراتهم بالمحور الأساسي للمحاضرة، إذ وجدوا فرصة اللقاء بقرجولي لطرح موضوع الموسيقا التصويرية التي أصبحت مكررة وغير لافتة وتنم عن تدخل شركات الإنتاج، فعقب قرجولي عن أهمية الموسيقا التصويرية في الإيحاء بموسيقا الشعوب وخصوصيتها من خلال الدراما، فالموسيقا الهندية انتشرت في أرجاء العالم من خلال الأفلام الهندية، ليعود إلى تدخل شركات الإنتاج الذي أدى إلى الاستسهال بقيمة الموسيقا التصويرية من خلال تجربة شخصية حدثت معه. وطالت أيضاً النقاشات الموسيقا التصويرية المرافقة لأفلام الكرتون التي تعتمد على جملة موسيقية واحدة مكررة مما يدخل الطفل بمشكلات نفسية.
وتطرقت المداخلات إلى العلاج النفسي بالموسيقا فبيّن قرة جولي الأخطاء الواردة في النت لاسيما بموسيقا النوم أو الموسيقا المخففة للتوتر بسبب اختلاف تلقي هذه الموسيقا من شخص لآخر وفق السمات النفسية الذاتية، وقد تدفع الشخص إلى انحرافات عدوانية وتثير شحنات كامنة ربما تؤدي إلى ارتكاب جريمة أو انتحار.

ملده شويكاني