ثقافةصحيفة البعث

“أوراق روح تحترق”.. أهازيج الأمل من راح الحرب

ديوان خصه الشاعر د. حسين جمعة بقصائد تنم عن خلاصة تجربة حياتية واسعة فيها كل معاني الحب والجهاد التي انعكس أرثها بالرؤية العميقة للأحوال، تستقرئ الأبعاد والأسباب بمنظور ريشته مثل مقبض جراح يكشف عن الوجع ويداويه، وهو سمة الشعر ودوره الترياق الذي كان وسيبقى.

في مقدمة ديوانه فلسف خباياه للقارئ.. إذ يقول: “أوراق تحترق تجسد نفثة الروح في مواجهة الذات لكل ما تعانيه، أو ما يخلب بها ويحرك وجدانها، إنها رؤية فنية ممزوجة بتوق الخلاص من عذابات النفس.. إنها بلوى انسحاق الوطن الذي حاكته المؤامرة بمنهج المحبة والسلام..”

افتتح الديوان بقصيدة مطولة من 32 بيتا وظف فيها نصا دينيا، فالشام عذراء الروح مؤيدة من الله ولا لدثرها..

يوم الجلاء نشيد الفخر للعرب/ ذكرى وفاء لشعب قد من لهب

هبي دمشق ولا تبقي على رهب/ هزي النخيل، وغذي الجسم بالرطب..

وفي قصيدة “تجار الأزمات” ألمح لحال النفوس التي تبتدع أسباب الحرب:

أنى توجهت في سهل وفي جبل/ وجدت فسقا علا بالخزي والزلل

وإذ ينتقل إلى “الغزل” لغة المشاعر يزيدنا طربا بمعانيه:

لا تزد يوما عذابي/ أنت من بنت الكرام

وفي “يا نشوة الحنين” طرق “الغزل الصوفي” الذي حمله الجمال والحكمة:

هاج الحنين لأيام العبق/ والصوت ينداح من غيب أن احترق

يا فرحة الأرض، يا دنيا مشعشعة/ فكي عقال أسير تاه في الطرق

والرثاء الجميل نقتطع منه لشاعر فلسطين سميح القاسم الذي جاء صنفا من الديوان:

سميح يا جبلا في الشعر منفردا/ كنت الأمين على الأحلام والنغم

ومن خلال تجربته الذاتية مع خلانه نقض الوشاية وتطرق لمكارم الأخلاق:

كثر العتاب بساحة الخلان/ ومشى النفاق برفقة الفتَّان

يا صاحبي إن الوشاية عمرها/ زمن قصير ينتهي بثوان

وكذا بقصيدة “طاقة حب” ذهب من خلال الغزل إلى الحكمة:

طيف يخامرني من غابر الزمن/ أعزي وجودي بعقل راح يرمقني

أهدى الحياة كمالا لا ينغصه/ كيد النفوس قذىK بالسر والعلن

لقد جاءت القصائد العامودية ببلاغة الفكرة، سمة الحداثة المشوقة للإبداع.. أما “الإيقاع” فهو بعفوية النغمة التفعيلية وتشبه غدير الأيام بسمة الحياة ومعينها، فالشعر جدول منساب من النفس للوجود وإليها ينضوي..

وفي”تناص” غنائي زغرد للشام بغزل المتيم بوطنه.

هنا دمشق هنا الأمجاد والحسب/هنا دمشق، هنا التاريخ والأدب

الشاعر قدم أن الأمانة اقتضته نشر قصائده ومن خلال ذلك زفر الألم والأمل وتوجه بحب الوطن للإنسان العربي الذي يعاني من إرث ثقافي، يضعه بدوائر الحزن والمشاكل اللا مجدية:

أواه من صرف الزمان وغدره/ إذ يبتلى الإنسان بالإنسان

تميز الديوان بتقسيمه إلى فصلين الأول من الشعر العمودي، والثاني شعر التفعيلة، وبلغة العبرة طاف بوجدانية بين ضفاف الأفكار، وقد استفاد من نسغ الشعر الحر ليروي قصصا ببلاغة الرؤية، فمن قصيدة “أخوة يوسف”: “يوسف يا صوت الزمن/ تعانق الورد الخجول تموج في أحلامنا/ رمز الوفاء والصفاء/ نراك تجري فوق ماء/ في سكة للقانتين/ تشتاق فعل الآخرة؟! إلى أن يقول: “..يا صاحبي كن عاقلا صديقنا أمسى الملك.. زليخةٌ ثابت لرشد تائب/ والهم بات ضجيعها/ تبكي لعهد طائش/ فهل يفيدها الندم؟!/ صديقنا صار المثل/ زليخة غمٌّ وهم..”

وختم  ديوانه في “ولادة قصيدة”: “كذا الأشعار يا ولدي/ لمن في الروح أحياها، تجلي الغم بالأمل/ وتغري من يناديها/ تزيل البؤس في صورٍ/ وتثري عقل باريها/ فكن للشعر حمالا/ تبز الناس أشكالا..”

الديوان رحلة في واقع عاشه وأراد للقارئ أن يتعايش معه فيه، فالحياة مواقف تملى بالمشاعر ولذلك أسماه “أوراق روح تحترق”، والروح لا تحترق ولكن للحريق العاطفي نور، فالتوهج المغزى وأثرا للتاريخ إذ هو اشتغل على توثيق الحرب التي اجتاحت سورية بلا سبب يذكر، سوى صنوف من غدق الهوى الذي يعصف بالوجدان ويودي به للطغيان بمركب يغرق، ولا مرفأ إلا المحبة والسلام..

رجائي صرصر