الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

اقتراح لجامعاتنا

 

عبد الكريم النّاعم

يوم 29/12/2019 وعلى الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم، نُوقشت رسالة الماجستير التي أعدّتها الطالبة غيداء يونس، واستمرّت المناقشة ساعتين وأربعين دقيقة، والجوّ بارد، والتدفئة مفقودة، والمحاسبة عسيرة، الرسالة بإشراف أ.د. محمد عيسى، اختصاص النّقد الأدبي ومذاهبه، وعضويّة أ. د. م نضال الصالح اختصاص النقد العربي الحديث، وعضويّة أ.د. م روعة الفقس اختصاص الأدب العربيّ الحديث.
أقولها بصدق حين بُدئ بمناقشة الطالبة خطر ببالي يوم حساب ربّ العالمين لعباده، جاء في الصفحة كذا كذا، وقلت في الصفحة كذا كذا، وكان التدقيق غاية في التبصّر، والمعرفة، واللمح، والتوجيه، وبالنسبة لي كان أوّل حضور لمثل هذه المناقشات، وأُتيح للطالبة أن تُقدّم دفوعات وجهة نظرها، وقد قرّرت اللجنة في النهاية نجاح الطالبة بدرجة امتياز.
عن هذه المناقشة لرسالة تُعدّ عن شاعر حيّ حاضر في القاعة أقف عند الأمور التالية:
أ-لقد علمتُ أنّ ثمّة مَن عارض في أن تكون هناك رسالة عن شاعر معاصر، ولا أعرف مَن هو، إذ يريد أن نبقى واقفين على الأطلال، مع احترامنا الشديد لأشعارهم، ولا يُريد أن يُغادر ذلك الرسم الذي درس، وهو حين يتنازل فإنّه ربّما يقبل بأن تكون الرسالة عن واحد من أولئك الشعراء الذين حظوا ربّما بشهرة هي موضع شكّ في التقييم الشعريّ الجادّ، فقد تطوّرت القصيدة العربيّة الحديثة على يد الجيل الذي تلى جيل الروّاد تطوّرا نوعيّا أفقيّا وعموديّا، وما زالت تغتني على أيدي قلّة من الشعراء الشعراء لا الذين ما زالوا يُخطئون في الإملاء والنّحو، دعْك من الوزن/الإيقاع، ولا نعرف كيف يصير أمثال هؤلاء شعراء على منابر رسميّة وغير رسميّة، هنا أشير إلى أنّ معظم الجامعات العربيّة قد سبقتْنا في هذا المجال، فممّا اطّلعت عليه في الأردن، في ثمانينات القرن الماضي أنّ الجامعة كانت تحتفي بشعراء القطر الأردنيّ الأحياء، وتُوَجّه طلاّبها لتقديم دراسات ورسالات عن أولئك الشعراء، أمّا في العراق ومصر فحدّث ولا حرج، ولا أعرف سببا مُقنعا لتأخّر جامعاتنا في هذا المجال، إلاّ أن تكون الدوافع سلبيّة ذات منشأ نفسي بحت، وعلى الذين يشكّلون قدوة لطلبتنا وهم يُعدون أنفسهم لملاقاة مسؤوليات الحياة، أن يكونوا النّماذج التي تُحتذى لا أن تضيق صدور بعضهم من تقديم رسالة عن شاعر حيّ، هو جارهم، وصديق لمعظمهم.
ب-لابدّ من الإشادة بالدّور الذي لعبه عدد من أساتذة جامعة البعث، كليّة الآداب، من أجل أن تتقبّل الكليّة مثل هذه الدراسات، فقد كانوا في البداية أمام سدّ صلب، ولم يتوصّلوا إلى ما توصلّوا إليه إلاّ عبر جهد، وصبر، واغتنام للفرص، وصُنع لها، فجزاهم الله كلّ خير.
ج-في ثمانينات القرن الماضي دُعينا لمهرجان شعري نقدي في جامعة تشرين باللاّذقيّة، امتدّ على مدى ثمانية أيام أو أكثر، ودُعي إليه نقّاد من كلّ من الجزائر، والعراق، والأردن، وسوريّة، وكان واضحاً أنّ أيّ تنسيق لم يجرِ من قِبل الجهة الداعية، ولذلك انصبّت الدراسات كلّها على نزار قبّاني، ومحمد الماغوط، وأدونيس، على ما أذكر، في الوقت الذي كانت تعجّ فيه الساحة بالشعراء العرب الذين نالوا من الشهرة ما يستحقّون، ولقد تقدّمتُ باقتراح نُشر آنذاك في إحدى صحفنا السوريّة، خلاصته أن تهتمّ كلّ جامعة في سوريّة بشعراء محافظتها، لاسيّما الأحياء منهم، وما من مانع يمنع من الاهتمام بمن رحلوا عن هذا العالم بحسب جدارتهم الشعريّة، وأن يدخل ذلك في الخطّة السنويّة للجامعة، وها أنا بعد أربعين سنة تقريبا أعيد الاقتراح ذاته.
ثمّة شعراء سوريون فازوا بالعديد من الجوائز العربيّة، وعلى ما لنا من تحفّظات على توجّهات بعض الجهات المنظّمة، فإنّ الذين فازوا من سوريّة، والذين حُرموا من الفوز بدوافع سياسيّة بحتة، هم شعراء حقيقيّون، فلماذا لا تركّز جامعاتنا على هذه الأصوات، وأمثالها، وتسلّط الأضواء عليه؟!
أعتقد أنّ ما قامت به كليّة الآداب في جامعة البعث، يُعدّ خطوة في الاتّجاه المطلوب، وعسى أن يجد اقتراحنا آذاناً سامعة، وقلوباً واعية.
aaalnaem@gmail.com