اقتصادصحيفة البعث

بؤرة تلوّث مستعصية

لم يكن نهر العاصي عبر التاريخ ملوّثاً، فقد كان نقياً ومقصداً للتنزه وريّ الأراضي الزراعية على مدار العام سواء بالراحة أم عبر النوافير..!
والدليل على ذلك أن منبعه لا يزال نقياً وعذباً وتنتشر على ضفتيه المطاعم!.
ويبدأ مجرى النهر يتلوّث مع دخوله منطقة المنشآت الصناعية، وكلما قطع مسافة أكثر تلوّث أكثر فأكثر..!.
وإذا كانت شركة الأسمدة المتهم الأول بتلويث نهر العاصي، فإن شركة المصفاة هي أيضاً متهم رئيسي وإن كانت بمنأى عن الأضواء نسبياً..!.
ولا ننسى مخلفات الصرف الصحي للمدن والقرى، ومعظم المنشآت الصناعية والمهن التي لا تقل مخلفاتها خطراً على النهر من الأسمدة والمصفاة.
ولا يقتصر الأمر على تلوّث نهر العاصي.. فالأخطر السموم والأبخرة التي تنفثها شركتا الأسمدة والمصفاة وتتسبب بأمراض سرطانية ورئوية للسكان، بل إن التلوث قتل الحياة المائية في بحيرة قطينة التي كان يمكن أن تتحول إلى نقطة جذب للاستثمار السياحي.
وما يؤكد خطورة نتائج التلوّث على السكان والتربة والهواء أن محافظاً سابقاً لحمص رفع دعوى قضائية ضد شركة الأسمدة.
وها هو مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها مؤخراً في مدينة حمص يناقش مشكلة تلوّث مياه نهر العاصي ويطلب من المسؤولين في المحافظة اقتراح الحلول.
وكنا اقترحنا أكثر من مرة إغلاق معمل الأسمدة وإقامة منشأة سياحية مكانه بما يتيح عودة الحياة لبحيرة قطينة، وهو حل يدرّ عائدات أكثر من شركة خسائرها تشكّل عبئاً على خزينة الدولة.
وبما أن شركة روسية ستستثمر شركة الأسمدة، فقد يكون لديها الحل الجذري للملوثات الكيماوية والغازية التي حوّلت حياة القرى المجاورة إلى ما يشبه الجحيم، وهي لا تتنفس الهواء النقي إلا عندما تتعطل خطوط إنتاج الشركة.
والسؤال: هل سيتمكن مجلس محافظة حمص من ابتكار مقترحات حلول جذرية لرفع الملوثات عن نهر العاصي تنفيذاً لمطلب رئاسة الوزراء..؟.
قد نجد مبررات لشركتي الأسمدة والمصفاة، ولكن ماذا عن المدينة الصناعية في حسياء التي تلوّث المياه الجوفية؟.
أليس استهتاراً بالبيئة والناس والمياه أن تقام مدينة صناعية دون محطة لمعالجة ملوّثاتها؟.
نشك أن تتوصّل اللجنة التي شكلها المحافظ إلى نتائج فعّالة وحلول جذرية لاجتثاث التلوث في المحافظة وتحديداً في نهر العاصي وبحيرة قطينة!.
مهمة اللجنة التي تضم خبيراً من جامعة البعث سترفع نتائجها إلى الحكومة، والسؤال: ماذا بعد..؟.
لم يتمكّن أي محافظ لحمص من إرغام المنشآت الصناعية والخدمية على معالجة ملوثاتها قبل تدفقها في العاصي وقطينة وجوف الأرض، وكان أقصى ما يمكن فعله رفع دعوى قضائية..!.
والغريب أن إدارة شركة الأسمدة كانت تتهم الصحفيين الذين يكشفون دورها في التلوث “القاتل” بالإساءة، وإذا اتهموها بأنها غير مجدية لأنها خاسرة وينتشر فيها الفساد ترفع عليهم الدعاوى القضائية بتهمة الإساءة إلى الاقتصاد الوطني!.
قد تكون معالجة التلوث في حسياء سهلة جداً بعد إنجاز محطة المعالجة، لكن الأمر يبدو مستعصياً مع شركتي الأسمدة والمصفاة لأن المعالجة تتطلب كلفاً عالية جداً لا يمكن تحمّلها إلا مركزياً أي من رئاسة مجلس الوزراء.
وحتى ذلك الوقت سيبقى نهر العاصي بؤرة تلوّث مزمنة عصية على الحل!.
علي عبود