ثقافةصحيفة البعث

الأدب الساخر بين الواقع والمأمول من المؤسسات والمجتمع

 

 

الشعب السوري يحب المزاح والضحك وتعلقه بالأدب الساخر يدل على قدرته على التغلب على الصعاب، بهذه المفردات بدأ الإعلامي محمد نصر الله فعالية الأدب الساخر في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- والتي لم تقتصر على تناول مفهومه العام أو أنواعه بين القصة والمسرحية والزاوية والمقالة وأجزاء من الرواية، لينسحب إلى الرسوم الكاريكاتورية والحكايات والنكتة وكل ما يتعلق برسم ابتسامة على الشفاه، إذ كانت موضع استفهام وتساؤل الإعلام والمؤسسات بإحياء الأدب الساخر؟ وكذلك ما دور الذاكرة الجمعية؟ ووسائل التواصل الاجتماعي بتداوله؟.
ورأى نصر الله بأنه لا تاريخ محدد للأدب الساخر الذي ربما بدأ منذ أن رأى الإنسان نور الحياة، لهذا كان مرآة لآلامه. ورغم عدد الأدباء في سورية إلا أنه قلة من يكتبون الأدب الساخر الذي أصبح مقتصراً على الكاريكاتير مع أن هامش الحرية الأدبية كبير في سورية مقارنة ببقية البلدان.

ترويج الشائعات
بدأت الندوة بقراءة كل مشارك نصّه الذي كتبه، فدخل د. عامر مارديني عوالم العالم الافتراضي مبيّناً دور الفيس بوك بنشر الأكاذيب وترويج الشائعات، ودمج بحبكة مثيرة بينه وبين التلفزيون إثر أرقه ليلاً فقلب القنوات ليشده فجأة برنامج عن ديكارت ويتوقف عند المقولة الشهيرة”أنا أفكر إذن أنا موجود” فراودته فكرة عبثية بكتابة مقولات ونسبتها إلى المشاهير فكتب “السمنة داء الفقراء” ونسبها إلى لينين وصولاً إلى”ديغول تناول فتة المقادم في دمشق عام 1927″ فذهب إلى حيّ الميدان ليجد المطاعم مكتظة بالناس لتناول المقادم، والمدهش أن صاحب المطعم قال له: “الملكة فيكتوريا تناولت طعام الغداء في مطعمي” ليصل مارديني في نهاية القصة إلى نتيجة”أنا لا أفكر إذن أنا موجود”.

الستار الخفي
واتخذ الأدب الساخر جانباً آخر لدى الأديب داود أبو شقرا بوصف إحدى شخصيات روايته”كفر نعمة” شيخ الجامع الكبير” الذي هو الغطاء الأنسب لأية حاجة لأن اسمه يجعل السامع ينصرف عن كل الموبقات التي تمارس تحت مظلته” فردد العبارات “تعال إلى الجامع الكبير، نلتقي بالجامع الكبير….” وكان الشيخ عبد الله كما وصفه أبو شقرة “ينبت كالفطر، وأنفه الأفطس يوحي بعبودية مزمنة، لسانه حاد كالمبرد” وكان وصف أبو شقرة اللاذع الساخر يدل على سمات شخصيته وموقعها في الرواية.

يوميات الناس
في حين اقترب الفنان التشكيلي موفق مخول من مفهوم الأدب الساخر الحياتي الملامس سلوكيات يوميات الناس، باستحضاره صوراً من الذاكرة من يومياته التي عاشها مع إخوته الثمانية بغرفة واحدة بأوضاع فقيرة تركت بصمتها بذاكرته البصرية وتوقف عند مواقف ساخرة عاشها مثل صورة ماركس التي رسمها بناء على طلب والده الذي فسرها للآخرين كما يرغب، فحينما يأتي الجيران لزيارته يقول لهم إنها صورة والده، وحينما يأتي ضيوف من الضيعة يقول إنها صورة المطران، أما عندما يأتي بعض المثقفين فيخبرهم أنها صورة ماركس، ليصل مخول إلى أن الأدب الساخر يدخل ضمن مفهوم النكتة التي تكثر بالمجتمعات التي تتعرض لمشكلات اجتماعية واقتصادية، فيلجأ الناس إلى النكتة للتخفيف من الضغط النفسي الذي يهيمن عليهم، والمجتمع السوري معروف بروحه المرحة ورسمه الابتسامة، وتراثنا من حكايات الأجداد حافل بذلك.

السخرية والخرافة
بينما دمج سامر منصور بنصه “دون عنوان” بين الواقع والمتخيّل بالاقتباس من القصص الخرافية مستعيداً صورة المارد الذي يحقق لفرح أمنيتها بتبادل الأدوار مع زوجها لتأخذ مكانه، إثر مناظرة تناقش واقع مساواة المرأة مع الرجل بيوم المرأة العالمي، فقالت فرح”لا نطالب بالمساواة بل بتبادل الأدوار كي يعيش الرجال تجربتنا، ثم نعطيهم نحن المساواة حينما يطالبون بها”، وبعد مواقف مثيرة وحوارات صغيرة ساخرة ينتهي بها المطاف لتكون بشعبة التجنيد ثم تلتحق بالكتيبة، بينما ينهي زوجها أعمال المنزل والطبخ ويرتشف الشاي بالياسمين، والمأساة بالقصة أنها تنتهي بانتحار فرح بعد سنتين لعدم تمكنها من رؤية طفلها الذي لم يعرفها إلا خمس مرات، ليصل منصور إلى فكرة احترام كل منا دور الآخر.
النصوص المتنوعة دفعت نصر الله لقراءة نص بعنوان امتحانات الطاولة، “ذلك لأني لم أعتد على هذه الرفاهية الكبيرة بأن توضع أمامي الخيارات كشهرزادات، وأن أكون شهرياراً ولو لثوان” من خلال إغراء دخوله المقهى واختياره الطاولة المناسبة له ليكتشف أن هناك حاجزاً على اليمين وعلى الشمال.
مسؤولية جماعية
وتوجه نصر الله بأسئلة مختلفة إلى المشاركين تطال واقع الأدب الساخر، فسأل د. مارديني إلى أين وصل الأدب الساخر؟ فأجاب د.مارديني من وحي تجربته مع مجتمع الطلاب والموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية مما دفعه لكتابة مجموعته”حموضة معدة” ليخلص إلى أن قلائل من يكتبون الأدب الساخر الذي ينسحب للسخرية الاجتماعية والرياضية والاقتصادية ولابد من تسليط الضوء على القراءة.
وحول مسؤولية الإعلام تجاه الأدب الساخر، وهل استطاع هذا الأدب تناول الأزمة التي كانت على مستوى العالم قال داود أبو شقرة
الإعلام وحده لايحتمل المسؤولية التي تعمم على كل الجهات إلا أننا بالإعلام نفتقد الرأي الناقد، ودور الإعلام لا يلغي دور الأدب، وعادة يتأخر الأدب عن تدوين ما يحدث بالأزمات كما حدث باليابان وألمانيا، لكن في العراق وسورية كان الأدب ينتج مفرزات الأزمة لتوثيق قصص الحرب، وأدباء سورية لايقلون أهمية عن الأدباء الذين نؤرشف لهم، وإنما يفتقدون إلى المنابر، والأدب الساخر لم ينحسر لأنه كالحياة والماء والنهر يتجدد مع دروب الكتابة.
أما الفنان موفق مخول فأجاب عن المعوقات التي تعترض طريق كتابة الأدب الساخر، وتحدث عن هامش الحرية الذي وجده الناس على صفحات الفيس بوك، كما ردّ سامر منصور أن على الكاتب أن يكسر الخطوط الحمراء بالدراما التي قدمت لوحات ساخرة وواخزة وتنقد سلبيات تحدث بالمجتمع كما في لوحات بقعة ضوء التي لاتقل عن الأدب الروسي، وعن ضيعة ضايعة التي انتشرت على مستوى الوطن العربي.
مداخلات الحاضرين دارت حول تاريخ الأدب الساخر ابتداءً من حسيب كيالي إلى صدقي إسماعيل إلى عبد الغني العطري، كما نوه الأديب غسان كلاس إلى دور الدراما والمسرح من حكمت محسن وأنور البابا إلى عبد اللطيف فتحي إلى دريد ونهاد وصح النوم، التي كانت جملة من النكات الشعبية التي تعكس حال المواطن، ليطال بحديثه جلسات المقاهي مثل مقهى البرازيل، وتحدث آخر عن حبيب كحالة والمضحك المبكي، ليتوقف نصر الله عند سؤال وضاح باشا “هل الأدب الساخر فشة خلق أم مساهمة من الفنانين والأدباء والصحفيين والإعلاميين للنهوض بالمجتمع؟

المؤسسات
وأشار نصر الله إلى أن وزارة الثقافة أقرت هذه الندوة مما يؤكد على دعمها الأدب الساخر وتضافر الجهود مع المؤسسات شريطة عدم تجاوز الأخلاقيات والطعن بالآخر.

ملده شويكاني