صحيفة البعثمحليات

سالفة الطابور

 

بصراحة المواطن العادي، ثمّة معادلة ليست بالتعقيد المتخيّل، فالوقوف في الطابور يعدّ وجبة يومية مليئة بدسامة المعاناة والألم والانتظار الطويل جداً على أمل الحصول على الهدف المنشود على وقع التدافش بالأيدي والركل بالأرجل مع مزيد من الصراخ والمشادات التي لا تخلو من التصادم المباشر، ولا مجال لحلول أكثر حضارة ودبلوماسية في ظل هذا القطيع الغريزي، حيث لن يخسر إلا المتسلح بالتهذيب والعفة واحترام الذات.
وكي لا نتّهم بالمغالاة دعونا نتابع برنامج المواطن مع تقصّي تفاصيل الطوابير التي توجد في كل مرفق وأمام أي نافذة وقبالة الأفران والمخابز ومراكز توزيع الغاز والمازوت والقسائم التموينية ومراكز الهاتف والكهرباء والمياه وكوات البريد ومديريات النقل والهجرة والجوازات والأحوال المدنية والعقارية وأفرع المصارف ومؤسسات التأمين والمعاشات وشبابيك الصرافة وتسليم الرواتب، والأكثر حداثة مراكز منح معونات المهجرين، وما سبق ذكره بمنزلة الفولكلور الذي لوّن حياتنا وأضاف إلى الازدحام ازدحاماً وخسارة الكثير من الزمن، مع أن الحكومة في مرحلة ما اشتغلت على محاربة الروتين عبر مشاريع الأتمتة الحكومية ونشر مراكز خدمة المواطن وموضة النوافذ الواحدة.
حسب سلّم الاهتمامات يطفو حديث الانتظار في الطوابير الآنفة الذكر على أحاديث الشارع أيّما اتجهت، ومنه ثمة فرصة جديدة للفكر التبريري الذي يهيمن على الذهنية المجتمعية، فالغوص في تأمين الاحتياجات والقيام بالواجبات الضرائبية من فواتير وشاكلتها، يعني ذهاب يوم العمل كله حسب الأولويات “يوم للفرن والثاني للغاز وهكذا”، وليس مستغرباً أن تحتاج بعض الاحتياجات إلى أيام، وهذا الكلام ليس مستورداً من المريخ بل صناعة محلية بحتة بلا بهارات ورتوش أي الواقع كما هو.
الأعقد من كل ما سبق هو العلاقة الطردية بين حتمية الطابور وتصاعد الفساد والمحسوبية والقفز من فوق الأخلاق قبل القوانين هذه المرة، وبالتالي هناك من يربط بين هذه المظاهر وإرادة الفائدة الفردية والمصالح الشخصية، وبالتالي تنتشر عمليات الابتزاز والمساومة بحيث تصبح فرصة لاستغلال حاجة الناس، ما يفتح المجال أمام رفع الأسعار مقابل الخدمة المقدمة، وأحياناً لا مانع من تعمد خلق أزمة ما عبر الاحتكار والروتين لمصالح منفعية وفي حسابات أخرى الانخراط في التخريب والتآمر لتأليب المواطن على الدولة.
علي بلال قاسم