دراساتصحيفة البعث

لحظة حماقة

 

ترجمة: هناء شروف
عن الاوبزرفر 11/1/2020
إن آمال مؤيدي البريكست في الحصول على مكان جديد في العالم لـ”بريطانيا العالمية” سوف تعتمد إلى حدّ كبير على إعادة ضبط العلاقات الحالية، وسيكون تأمين الصفقات العادلة صعباً بما فيه الكفاية، لكن لا بد من بعض المقايضات التي تستلزم تضييق السيطرة السيادية لبريطانيا.
إن القول بأن هذا العام مليء بالتحديات هو وسيلة مريحة للقول إن بريطانيا ستخضع للاختبار، وربما إلى نقطة الانهيار، بطرق لم تختبرها كثيراً. ستواجه الحكومة في وقت واحد تحديات دستورية خطيرة، وعلى رأسها مطلب الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيّد للاستفتاء على الاستقلال.
من السهل إجراء تصويت جديد يمكن أن يؤدي مباشرة إلى تفكك المملكة المتحدة، لهذا السبب يعارضها جونسون. وفكرة أنه يمكن حظر الاستفتاء إلى أجل غير مسمّى تبدو غير معقولة، من المحتمل أيضاً أن يؤدي عدم اليقين المستمر بشأن ترتيبات الحدود مع جمهورية إيرلندا إلى زيادة التوترات، وربما عنف متزايد في إيرلندا الشمالية.
غالباً ما يتمّ التغاضي عن الضرر الذي ستلحقه مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، لذلك إن تصاعد عدم الاستقرار في جميع أنحاء القارة، والذي يظهر في النفوذ المتزايد للشعوب اليمينية المتطرفة والقوميين ليس في صالح بريطانيا. ضعف التحالف الأنغلو- ألماني هو أحد أكثر العواقب إثارة للقلق، إذ يوفر التنسيق الهادئ بين لندن وبرلين، تقليدياً، ثقلاً موازناً ثابتاً للولايات الجنوبية في الاتحاد الأوروبي من خلال تقديم النفوذ الاقتصادي والمالي والقوة العسكرية والنفوذ الدبلوماسي بشكل مشترك.
إن احتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من موقعها القيادي في العالم في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يضطر بريطانيا لإعادة التفكير في افتراضاتها بشأن استراتيجيات الدفاع، وعليها أن تكون جاهزة لخوض الحروب من دون الولايات المتحدة كحليف أساسي. وهنا تستعد بريطانيا لمراجعة عميقة لشؤون الدفاع والأمن والسياسة الخارجية لم تعهدها منذ نهاية الحرب الباردة. فقد صرح وزير الدفاع البريطاني بين واليس: إننا نخطّط للأسوأ ونأمل حدوث الأفضل، إن الافتراضات التي كانت سائدة في عام 2010 بأن بريطانيا ستظل دائماً جزءاً من تحالف للولايات المتحدة لم تعد قائمة. نحن نعتمد بشكل كبير على الاستخبارات والغطاء الجوي والمراقبة التي توفرها الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة أن تنوّع المملكة المتحدة مصادر اعتمادها. وأضاف: “إن احتمال تراجع الولايات المتحدة عن قيادتها للعالم يقلقني ويسبّب لي الأرق”.
كذلك فإن تصاعد الهجمات على الإسلاموفوبيا في بريطانيا كثّف المخاوف من زيادة الانقسام والعزلة والتطرف. وفي جميع أنحاء العالم، أصبحت آثار التمييز والتحامل ضد الإسلام المتطرف أكثر انتشاراً، فقد أثبتت السنوات التي أعقبت هجمات القاعدة على الولايات المتحدة عام 2001 أن مشكلات الشرق الأوسط هي مشكلات عالمية ولا توجد دولة، ولاسيما بريطانيا، بسبب إرثها الإقليمي المثير للجدل، محصّنة وبمنأى عن تبعاتها. ومن الواضح بالقدر نفسه أن بريطانيا لا تستطيع نزع فتيل أو حلّ هذه الأزمات المرتبطة من تلقاء نفسها.
تقع بريطانيا مباشرة في خط النار الإرهابي، كما يتضح من هجوم جسر لندن الأخير. ومع ذلك، فإن قدرتها على شنّ دفاع فعّال من خلال التعاون الوثيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب مع الديمقراطيات الأوروبية الأخرى قد يتعرّض قريباً للخطر الشديد. وعليه يزداد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، إذ تستمر الاضطرابات السياسية في لبنان والعراق، ودخول تركيا إلى شمال شرق سورية، واضطرابات السودان، والفوضى في ليبيا واليمن، والانتشار الذي لا يرحم على ما يبدو للإيديولوجية المتطرفة والجهادية عبر شمال إفريقيا ومنطقة الساحل إلى غرب إفريقيا.
هذا هو العالم المعادي الذي تغمره العاصفة، والذي تنعمُ فيه بريطانيا، المدعومة من القنبلة البوريسية ومحيط من الهراء والعيوب العمياء.