أخبارصحيفة البعث

إلى ماذا يشير اجتماع موسكو؟..

 

د. مهدي دخل الله

أضحت موسكو مركزاً لبحث المسائل الدولية الراهنة، في إشارة واضحة الى تغير نوعي في نظام العلاقات الدولية على حساب موقع الولايات المتحدة الذي لم يعد مركزياً على الرغم من استمرار قوته وتأثيره. ليس الحديث هنا عن اللقاء الأمني الثلاثي بين سورية وتركيا وروسيا فقط، وإنما عن اللقاء السياسي بين روسيا وتركيا حول مسألة تتعلق بمشاريع الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وهي المسألة الليبية.
سأبدأ بالاجتماع الأمني الثلاثي السوري الروسي التركي، فما يهمنا منه هو تمكين المدنيين من الخروج… عندها تصبح العمليات العسكرية – إن اضطررنا اليها – أقل إيلاماً. أما بصدد المسألة الليبية فتجدر ملاحظة الآتي:
1- جرت مفاوضات موسكو دون حضور مباشر أو غير مباشر لواشنطن على الرغم من أن ما يحدث في ليبيا يتعلق مباشرة بسياسات أمريكا ومصالحها في المنطقة..
2- إن روسيا هي الراعي على الرغم من أن الجانبين المتصارعين ينتميان الى «المجموعة الأمريكية» في المنطقة إذا صح التعبير.. إضافة الى أن تركيا – وهي الحاضر الثاني – عضو في حلف الناتو ومن أهم أعضاء المجموعة الأمريكية في المنطقة..
3- الاجتماع جرى على مستوى رفيع وليس على مستوى مستشارين، مما يؤكد الاهتمام السياسي بالمسألة، فقد حضره وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا إضافة الى وجود قائد الجبهتين المتصارعتين في ليبيا، حفتر والسراج (على الرغم من أنهما لم يجتمعا معاً في قاعة واحدة)..
4- إن قبول ألمانيا لعقد مؤتمر حول ليبيا في برلين جاء خارج «رأي أمريكا ونصائحها» خاصة أن القبول جاء على لسان ميركل نفسها ، ما يؤكد الاهتمام الكبير.
5- إن الصراع في ليبيا انعكاس للنزاع بين السعودية وتركيا، وكلاهما عضوان في المجموعة الأمريكية نفسها. هذا يشير الى تخلخل «الشبكة الأمريكية من الداخل» وهو أمر كان مستحيلاً في عصر الحرب الباردة. فمثلاً كانت هناك مشاكل بين تركيا واليونان داخل الناتو لكنها كانت مشاكل بينية ولم تتعلق بقضايا دولية (أي الصراع على دولة ثالثة) يحصل كما يحصل الآن مع ليبيا..
6- إن أوروبا- ألمانيا بوجه خاص – أقرب الى موسكو في حل الأزمات الدولية وكذلك ترتيب المصالح الدولية. فيما يخص المصالح يأتي إعلان المستشارة الألمانية ميركل عن تأييدها «للسيل الشمالي الثاني» لنقل الغاز من روسيا. في السياق نفسه يأتي افتتاح مشروع «السيل التركي» لنقل الغاز الروسي الى أوروبا الجنوبية. كل هذا يحصل «خلف ظهر» واشنطن وهو أمر كان مستحيلاً في الحرب الباردة (قصة السيل الأوسط في عهد بريجيينف بحاجة لمساحة أكبر لشرحها)..
7- إنها الضربة الثانية للهيمنة الأمريكية على أوروبا بعد الضربة الأولى الشهيرة عندما أيد الأوروبيون الاتفاق النووي الإيراني في موقف معارض لموقف واشنطن ومتفق مع موقف موسكو..
mahdidakhlala@gmail.com