الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بوح الضجر

سلوى عباس

البنفسج.. هذا الذي يبهج رغم حزنه الأزلي هيئني لوجبة من الحزن الجميل.. أصبحنا نتلذذ بها بحكم الطبيعة الإنسانية التي فطرتنا على التعامل مع الحزن، وهو أحد المكونات الرئيسة لحياتنا بحميمية يبدو معها الفرح زائراً ثقيل الظل فيما لو فكر يوماً أن يتفرج علينا في محطة من محطاته الخاطئة.

****

الأيام تمضي بطيئة مملة لاشيء يطرأ على مسارها العادي.. وهي ما إن يرحل الضوء حتى تهرع إلى وسادتها تدفن في أحلام رقادها الهموم والضجر.. أيامها لم تكن تختلف.. كانت كأغنية حزينة تتسلل من بين الدقائق وترافق خطاها المحدودة المسار المحدودة المكان.. تعيش ألماً وحزناً لا يفارقانها، يعيشان معها في كل لحظة تمر.. كان قطرة تتدحرج من المقلتين تحاكي حبات المطر المتدحرجة على نافذة الربيع.. كان وشوشة تندس في الأعماق وتنبسط فيها حالة لا فرح عابرة.. وكبر الحزن.. صارت قطرته شلال دموع.. وربيعه غابة مسكونة تسرح فيها أناشيد الموت وسيمفونيات البكاء.. صارت همساته أنيناً.. صارت وجعاً ينضح من جرح سكين يطعن.

كبر الحزن.. صارت مساحاته شاسعة.. صارت شمسه ساطعة.. صار حالة دائمة تراود قلبها وعبثاً تقاوم.. عبثا تستعير من سائر الأحاسيس نبضاً.. صار هو الأقوى.. هو الرفيق.. هو القدر ينتصب حاجزاً اسود على طريقها يعترض مسار كل زهرة تنبت في بستان أيامها يسرق منها الوهج والعبير.. لقد كبر الحزن.. إنه أقوى من المنطق وأشد من أن تطاله يد الحنان.

****

أربع وعشرون ساعة مضت حتى الآن وأنا فاقدة الإحساس.. أسكب نفسي حول الظل وأغرب عن وجهك.. أشعر به من بعيد وبملامحه الباردة كيف أن مناجاتي لم تلق لدى وجدانك الصدى.. فما إن وجهت لي هذا الكلام حتى أسرعت بلحظات الألم أركن في هدأة الليل كخافق يلهث وراء النسيان ليفترش الخلاص عند الشروق.. اغفر لي فأنا فتاة تنام وراء الحلم جاهلة في الحب الحقيقة العظيمة.. مازلت طفلة في هذه الحياة أكسر ملامح الجمال بلا غضب ولا بكاء ولا خوف.. مازلت قلباً يلعب بالألفاظ والصور على حساب أحلى مراحل العمر والحياة حلم عابر.. حكاية يرويها بحار أحمق مليئة بالضجيج والغضب وبلا معنى.

المرسى الواحد لا يجدي مادام بلا جهد ولا سبب.. وتنقطع اسباب الود.. فليقترب المركب في رحلته الأخرى.. هذا آخر ما تنتظره أشرعتي.. بنيت بيتي لاستقبلك فيه ونحيا العمر كعصافير الحب بين همس الشجر وعطر الزهر.. وفجأة سقط الحلم وزلزلت الأرض ولم يبق إلا الغضب المخنوق.. فوداعاً شاطئ أحلامي وسلاماً أيتها المرساة البعيدة.

****

سفر سأجربه وحدي متجاوزة حدودك.. متجاوزة فرحي بلقاك.. متجاوزة قلقي لنواك.. متجاوزة وجدي.. راحلة.. لكن رحيلي سيكون في أعماقي ومع الغربة.. في النفس أجوس بلا احد.. وحدي سأغادر مرساتي وليأت من يأت بعدي.. الريح مواتية والموج يناديني وقبطاني يتخطى المرفأ والزورق ينسل على مهل وسط المد وسط الجزر ويقول لي لا تنتظري رحالاً أفلت من قيدك يوما ليعود إلى القيد الأكبر..

سفينتي لم تعرف شط الأمان وأنا بحار طائش تتقاذفني الأمواج.. إنه البحر وعيناك.. بدايات لعوالم لن تنتهي ونهايات لأساطير لن تعرف لحظة البدء.. جبل قاس يدمر من يصعد إليه.. وجرم كافر يحرق كل من يقترب منه..