دراساتصحيفة البعث

ثروات ليبيا تستقطب أطماع الآخرين

هيفاء علي

يهدد التصعيد العسكري الذي أطلقته أنقرة بتحويل الأراضي الليبية إلى حلبة مواجهة مباشرة بين القوات المسلحة التابعة لقوى متعددة وبروز تبعات خطيرة على دول الجوار وصولاً إلى إفريقيا. حيث جاء قرار أردوغان بإرسال قواته إلى الأراضي الليبية كنتيجة مباشرة لحرب النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.  وعليه يؤدي النشاط الدولي إلى تسليم كميات كبيرة من الأسلحة إلى ليبيا في انتهاك خطير للحظر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي منذ عام 2011.

الاتفاقية العسكرية الموقعة بين حكومة السراج  وتركيا ، والتي أعقبتها تصريحات متكررة من رجب طيب أردوغان عن تدخل محتمل ، تزيد التوترات الدبلوماسية بين أنقرة ومختلف الجهات الفاعلة والجيران المعنيين مباشرة بالصراع الليبي ، مثل مصر ، تونس والجزائر ، والذين يخشون تجاوزات خطيرة، ما جعل الوضع في ليبيا هش للغاية، كما أن تصاعد العنف يهدد بتضخيم الصراع، ما يحفز البلاد على الانقسام إلى عدة أراض مع عواقب وخيمة على البلدان المجاورة والمنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بأكملها.

إذا أدى الاقتتال بين قوات حفتر وقوات السراج إلى حدوث انشقاق بين شرق وغرب البلاد، كما إن قبائل توبو والطوارق الذين يسيطرون على مناطق الحدود الجنوبية المتمتعة بالحكم الذاتي سيطالبون بدورهم  بالانفصال.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى تمتلك ليبيا احتياطات هائلة من الغاز والنفط وهذا ما يفسر تكالب الأطماع الغربية عليها، ويفاقم  المخاطر الاقتصادية إذ تحتل ليبيا المرتبة الرابعة في إنتاج النفط في إفريقيا بعد نيجيريا وأنغولا والجزائر، ولديها أكبر الاحتياطيات في أفريقيا وتحتل المرتبة التاسعة في العالم، وتشير المعلومات إلى  أن احتياطاتها من الغاز الصخري أكبر وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وبفضل عوائد النفط الكبيرة ، يعد النزاع الليبي بمثابة نعمة لاقتصادات مختلف الدول المنتجة للأسلحة، حيث يبلغ حجم السوق عدة مليارات من الدولارات، كما تباع الطائرات التركية بدون طيار لحكومة السراج بقيمة 2.5 مليون يورو. بالإضافة إلى ذلك، تتجاوز مواجهة القوى الأراضي الليبية لتمتد إلى غرب إفريقيا عبر الساحل ، وهي منطقة غنية بالمواد الهيدروكربونية والمواد النادرة. كما أنها جزء من الاضطرابات الجيوسياسية التي تنجم عن ظهور قوى جديدة ، مثل الصين ، والتي تسببت في منافسة متفاقمة بين الدول على تحديد المواقع الجغرافية أو تغيير موقعها ، وخاصة في إفريقيا.

إن الفوضى الليبية، وعدم الاستقرار في بلدان الساحل وغرب إفريقيا ، التي تميزت بالنزاعات العرقية ، والتهديد الإرهابي يبرران ويسهلان التدخلات العسكرية والتدخلات الخطيرة للقوى في هذه المنطقة التي تزخر بالثروات المتنوعة للغاية – النفط والغاز والمياه واليورانيوم – وتجعلها محط أطماع القوى الغربية. خاصةً أن ليبيا تقع على مفترق الطرق بين ثلاث قارات إفريقية وآسيوية وأوروبية، وهي نقطة استراتيجية لمختلف القوى التي تشارك اليوم في الصراع ، لأن البلاد توفر لهم بوابة للقارة الأفريقية.

تمكنت روسيا أولاً من الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع بعض الحلفاء التاريخيين مثل مصر والجزائر، اللتان تحتلان المركزين الرابع والخامس على التوالي في الترتيب العالمي للدول المستوردة للأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، طورت موسكو تعاوناً عسكرياً مع العديد من البلدان الأخرى ، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى التي مزقتها الحرب الأهلية.

كما أن استبدال الفرنك الفرنسي بعملة جديدة و الانتقادات المتزايدة ضد الوجود الفرنسي في الساحل هي نتيجة لهذا الصراع من أجل النفوذ ، المرتبط بزيادة وجود وسائل الإعلام الجديدة ، الروسية ، الأمريكية ، التركية ، وقريباً الصينية ، التي تبث باللغتين العربية والفرنسية إلى بلدان المغرب العربي والساحل ووسط وغرب إفريقيا. ومنتدى الصين – إفريقيا في تموز 2019 ، والذي تلاه قمة روسيا – إفريقيا في سوتشي في تشرين الأول ، يدل على النفوذ المتزايد لهاتين القوتين، بينما تهدف القوى الأخرى مثل تركيا والإمارات المتحدة إلى ترسيخ نفوذها في القارة.

إذ أقامت الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا وقاعدة بحرية في أرض الصومال، حيث تعمل كقاعدة خلفية للعمليات في اليمن، بينما قامت تركيا بدورها بتركيب قاعدة عسكرية في مقديشو ومركز تدريب عسكري في الصومال.

باختصار، إن تسريع عسكرة إفريقيا، المصحوب بحرب النفوذ التي تشنها عدة قوى في ليبيا وفي أماكن أخرى من أفريقيا ، باسم مكافحة الإرهاب ، يهدد بزعزعة الاستقرار في بعض البلدان. ومن شأن هذه المواجهات بين القوى المختلفة أن تؤدي إلى تفاقم النزاعات بين الأعراق عبر الحدود ، والتي يمكن أن تزيد من حدة العنف وتزيد من حدة الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة، حتى أنها  تؤدي إلى تجزئة وتتبع جديد لحدود العديد من البلدان الهشة، بما في ذلك ليبيا ومالي وبين العديد من الدول الأخرى.

كما أن تصاعد النزاع في ليبيا يخاطر بتفجير تهريب الأسلحة وبالتالي زيادة عدم الاستقرار والأزمات الأمنية والإنسانية في جميع بلدان المغرب العربي والساحل وغرب إفريقيا.