ثقافةصحيفة البعث

علي عمار محمد: هدفي تأريخ الألم والمعاناة الإنسانية

 

 

من بين ثلاثمئة وتسعين مشاركة من جميع الدول العربية وبعض الدول الأجنبية للناطقين باللغة العربية عن فئات الشعر والقصة والرواية والمسرح وأدب الطفل والنقد حصل الشاب علي عمار محمد من سورية على الجائزة الأولى عن فئة القصة القصيرة في الدورة 23 لمهرجان الشارقة للإبداع العربي من خلال مجموعته القصصية “ست عشرة جديلة” وعبّر عمار في حواره مع “البعث” عن سعادته الكبيرة بهذه الجائزة، معترفاُ أنه لم يتوقع أن يحدث حصوله عليها هذه الضجة الإعلامية التي أدخلت الفرحة إلى قلبه، وأنه كان للّحظة الأخيرة مشككاً في فوزه لأنه من الخطأ أن يمتدح ما يكتبه، تاركاً الحكم للقارئ، موضحاً أن مجموعته القصصية “ست عشرة جديلة” والتي ستُطبع بدايةً في الإمارات العربية تحكي عن قضايا مختلفة تخص المرأة الشرقية خصوصاً والمرأة في العالم وذلك بشكل جريء ولكن دون أن تخدش الحياء العام، والدليل أنها فازت بجائزة الشارقة بعد أن خضعت للقواعد الصارمة لها، ويسعده أنه نجح في إيصال أفكاره للجنة التحكيم حول موضوعات مثل الاغتصاب، التحرش، الخيانة، الوأد وموضوعات أخرى تعاني منها المرأة في المجتمع الشرقي عموماً والعربي بشكل خاص الذي ما زال ينظر إلى المرأة كنصف إنسان بنصف عقل وبمشاعر مهمشة، ولا يخفي أن الكلام على لسان المرأة غير سهل لعوالمها المعقدة والكبيرة، وقد ولج هذا العالم من خلال أمه وأخته وكل النساء اللواتي مررنَ بحياته، ولا ينكر أن هناك امرأة صغيرة بداخل كل رجل يقمعها ويكبتها، أما هو فقد سمح لها بالخروج بحريتها من خلال القصص والتعبير عما يجول في خاطرها بشكل مقنع، إلى درجة أن عدداً من النقاد قالوا: “إذا حذفنا اسم الكاتب سيحتار القارئ إن كان الكاتب رجلاً أم امرأة”.

قصص حزينة
ويبيّن علي عمار محمد أن التقنية التي استخدمها في قصصه لم تكن محددة، وقد تعمد أن يكتب قصصاً طويلة وأخرى قصيرة وقصصاً من كل الأحجام بهدف إيصال كل الأفكار التي يريدها حتى لو كانت قصصاً طويلة دون أن يشعر القارئ بالملل، مشيراً إلى أن قصصه قصص حزينة لأن النساء بشكل عام في مجتمعنا يعانينَ ولا يعشنَ حياة سعيدة ولا يمارسنَ حريتهن ويتعرضن لشتى المضايقات وليس لديهن مساحة أمان لا في الشارع ولا في البيت ولا في العمل، في حين أن الرجل ومنذ الأزل في مجتمعنا هو الذي يملك هذه المساحة، وهذا ما يجب أن ينتهي برأيه، وهذا ما طرحه في مجموعته إلى درجة أن معظم أبطاله من الرجال كانوا أشراراً دون أن تكون لديه نية في الاعتذار منهم ومن نفسه لأنه رجل، منوهاً إلى أن المجموعة قُدمت بأسلوب جديد، حيث قُسمت إلى الجديلة الأولى (مع عنوان) والجديلة الثانية (مع عنوان) أي أنها تميزت بعناوين مبتكرة وصفها كثيرون بأنها لماحة وذكية، مع إشارته إلى أن أغلب الأشخاص الذين قرأوا المجموعة قالوا أن لديه أسلوباً يحقق الدهشة للقارئ في النهابات التي يقدمها والتي تجعل القارئ يفكر ملياً ويستغرب النهاية غير المتوقعة التي يقدمها الكاتب دون تلميح أو إشارة.

مشكلات دون حل
ويؤكد محمد أنه لم يتأثر بأي كاتب، معتقداً أن أسلوبه مميز وطريقته في طرح المواضيع وتوصيل الفكرة مختلفة، مبيناً أنه لا يطرح مشكلة مع حل لقناعته أن لا أحد يستطيع أن يطرح مشكلة ويُقَدم لها حلاً يناسب الجميع، وبالتالي فإن مهمة الكاتب برأيه طرح المشكلات، وهذا ما فعله في مجموعته بطريقة تجعل أي شخص يتزوج من قاصر مثلاً يفكر بشعورها، موضحاً أن هدفه توعية الناس وتسليط الضوء على الواقع وما يجري فيه دون تحيز، مؤكداً أنه يكتب عن الأدب الإنساني بشكل خاص جداً بهدف تأريخ الألم والمعاناة الإنسانية، مدركاً أن هناك كتّاباً كثراً أرّخوا للمعاناة الإنسانية، ولكنه مؤمن أن لكل إنسان وجهة نظر ورؤية خاصة فيه، وهو لديه رؤيته الخاصة بهذا الألم وكيفية تأريخه وشرحه بطريقته الخاصة لأنه عانى من أنواع متعددة من الألم وشاهد الكثير من القصص المؤلمة، لذلك أراد أن يطرح العديد من المشاكل ليسلط الضوء على الواقع بهدف التغيير.

الكتابة كهدف
لا يتردد علي عمار محمد في القول أنه عندما كان صغيراً تعرض للتنمر كثيراً بسبب شكله وشعره الطويل إلى درجة أن كثيرين كانوا يعتقدون أنه فتاة، لذلك عانى من تنمر أصدقائه عليَّه بألفاظ نسائية، وهذا ما خلق في داخله امرأة صغيرة كانت مؤثرة كثيراً في مرحلة مراهقته، ولكن بعد ذلك تم قمعها ليطلق حريّتها حينما يريد من خلال القصة التي يكتبها، مشيراً إلى أنه بدأ الكتابة منذ أن تعلّم أن يمسك الورقة والقلم، ولكنها لم تكن على محمل الجد بالنسبة له وهو الذي كان يحلم أن يكون شخصاً معروفاً في مجال الموسيقا أو الرقص أو التمثيل، ولذلك لم يتوقع أبداً أن يصبح كاتباً، ولكن مع بداية وعيه تحولت الكتابة إلى هدف يكبر يوماً بعد يوم، فبدأ بصقل موهبته عن طريق القراءة الكثيفة جداً والممارسة اليومية للكتابة حتى وصل إلى مرحلة جيدة جعلته يشارك في جائزة الشارقة، وكان قد شارك في العام 2018 في مسابقة “سمّعني صوتك سورية” التي نظمتها اليونيسيف في طرطوس على مستوى سورية وكانت للتدوين الإلكتروني، وقد شارك فيها عدد كبير من كل المحافظات السورية واستمرت لمدة ثمانية أيام، وبعد عدة تصفيات فاز بالمركز الأول، مشيراً إلى أمه التي كانت أول من آمنت به، فكانت تدعمه وتشجعه على الاستمرار في هذا المجال، إلى جانب أستاذ الفلسفة في المرحلة الثانوية الذي تلمس فيه موهبة الكتابة في هذه السن، فكان يعطيه جملاً لفلاسفة كأرسطو وجان جاك روسو ليكتب عن كل جملة منها قصة.

عالم الرواية
يرغب حالياً علي عمار محمد في جمع النصوص التي كتبها من نثر وقصة ونصوص أدبية ومقالات في كتاب واحد وطرحه على دور النشر، وإذا لم يجد أية جهة تقوم بطباعتها سيعمل على نشرها إلكترونياً لتكون متاحة أمام الجميع، مؤكداً أنه لا يكتب من أجل المال بل من أجل أن يقرأ الناس قصصه وقصص كل من يعرفهم، منوهاً إلى أن الكتابة بالنسبة له مشروع دائم ومستقبلي وحلم وهدف، إلى جانب استمراره في دراسة الحقوق، معلناً أنه سيدخل عالم الرواية حينما يتمكن أكثر في مجال الكتابة دون استعجال.

أمينة عباس